الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أما بعد:
قال تعالى: { ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ }
*************************
* تفسير المسير: (( ثم أنزل الله الطمأنينة على رسوله وعلى المؤمنين فثبتوا، وأمدَّهم بجنود من الملائكة لم يروها، فنصرهم على عدوهم، وعذَّب الذين كفروا. وتلك عقوبة الله للصادِّين عن دينه، المكذِّبين لرسوله ))
===============
* تفسير الجلالين: (( {ثم أنزل الله سكينته} طمأنينته {على رسوله وعلى المؤمنين} فردوا إلى النبي ﷺ لما ناداهم العباس بإذنه وقاتلوا {وأنزل جنودا لم تروها} ملائكة {وعذَّب الذين كفروا} بالقتل والأسر {وذلك جزاء الكافرين} ))
* تفسير السعدي: (({ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} والسكينة ما يجعله اللّه في القلوب وقت القلاقل والزلازل والمفظعات، مما يثبتها، ويسكنها ويجعلها مطمئنة، وهي من نعم اللّه العظيمة على العباد.{وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وهم الملائكة، أنزلهم اللّه معونة للمسلمين يوم حنين، يثبتونهم، ويبشرونهم بالنصر.{وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} بالهزيمة والقتل، واستيلاء المسلمين على نسائهم وأولادهم وأموالهم.{وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} يعذبهم اللّه في الدنيا، ثم يردهم في الآخرة إلى عذاب غليظ))
* تفسير ابن كثير: (( ولهذا قال تعالى :{ثم أنزل الله سكينته على رسوله} أي : طمأنينته وثباته على رسوله ، {وعلى المؤمنين} أي : الذين معه ، {وأنزل جنودا لم تروها} وهم الملائكة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير : ( حدثنا القاسم قال ) حدثني الحسن بن عرفة قال : حدثني المعتمر بن سليمان ، عن عوف - هو ابن أبي جميلة الأعرابي - قال : سمعت عبد الرحمن مولى ابن برثن ، حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله - ﷺ - يوم حنين لم يقوموا لنا حلب شاة - قال : فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله - ﷺ - قال : فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا
قال : فانهزمنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانت إياها . وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني محمد بن أحمد بن بالويه ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحارث بن حصيرة ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : كنت مع رسول الله - ﷺ - يوم حنين ، فولى عنه الناس ، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، قدمنا ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة
قال : ورسول الله - ﷺ - على بغلته يمضي قدما ، فحادت بغلته ، فمال عن السرج ، فقلت : ارتفع رفعك الله
قال : ناولني كفا من التراب
فناولته ، قال : فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابا ، قال : أين المهاجرون والأنصار ؟ قلت : هم هناك
قال : اهتف بهم
فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ، كأنها الشهب ، وولى المشركون أدبارهم . ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عفان ، به نحوه . وقال الوليد بن مسلم : حدثني عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن شيبة بن عثمان قال : لما رأيت رسول الله - ﷺ - يوم حنين قد عري ، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ، فقلت : اليوم أدرك ثأري منه - قال : فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما ، عليه درع بيضاء كأنها فضة ، يكشف عنها العجاج ، فقلت : عمه ولن يخذله - قال : فجئته عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فقلت : ابن عمه ولن يخذله
فجئته من خلفه ، فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف ، إذ رفع لي شواظ من نار بيني وبينه كأنه برق ، فخفت أن تمحشني ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى ، فالتفت رسول الله - ﷺ - وقال : يا شيب ، يا شيب ادن مني اللهم أذهب عنه الشيطان
قال : فرفعت إليه بصري ، ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ، فقال : يا شيب قاتل الكفار . رواه البيهقي من حديث الوليد ، فذكره ثم روى من حديث أيوب بن جابر ، عن صدقة بن سعيد ، عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله - ﷺ - يوم حنين ، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ، ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ، فقلت وأنا واقف معه : يا رسول الله ، إني أرى خيلا بلقا ، فقال : يا شيبة ، إنه لا يراها إلا كافر
فضرب بيده في صدري ، ثم قال : اللهم اهد شيبة ، ثم ضربها الثانية ، ثم قال : اللهم اهد شيبة ، ثم ضربها الثالثة ثم قال : اللهم اهد شيبة
قال : فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلي منه ، وذكر تمام الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله - ﷺ - حتى هزم الله المشر . قال محمد بن إسحاق : حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عمن حدثه ، عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال : إنا لمع رسول الله - ﷺ - يوم حنين ، والناس يقتتلون ، إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء ، حتى وقع بيننا وبين القوم ، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي ، فلم يكن إلا هزيمة القوم ، فما كنا نشك أنها الملائكة . وقال سعيد بن السائب بن يسار ، عن أبيه قال : سمعت يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد - فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن ، فيقول : كنا نجد في أجوافنا مثل هذا . وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد فالله أعلم . وفي صحيح مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق أنبأنا معمر ، عن همام قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله - ﷺ - : نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم . ولهذا قال تعالى :{ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}))
* تفسير الطبري: (( القول في تأويل قوله : {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم من بعد ما ضاقت عليكم الأرض بما رحبت، وتوليتكم الأعداءَ أدباركم, كشف الله نازل البلاء عنكم, بإنـزاله السكينة = وهي الأمنة والطمأنينة = عليكم.
= وقد بينا أنها " فعيلة "، من " السكون "، فيما مضى من كتابنا هذا قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
={وأنـزل جنودًا لم تروها}، وهي الملائكة التي ذكرتُ في الأخبار التي قد مضى ذكرها ={وعذب الذين كفروا}، يقول: وعذب الله الذين جحدوا وحدانيّته ورسالةَ رسوله محمدٍ ﷺ، بالقتل وسَبْي الأهلين والذراريّ، وسلب الأموال والذلة ={وذلك جزاء الكافرين}، يقول: هذا الذي فعلنا بهم من القتل والسبي ={جزاء الكافرين}، يقول: هو ثواب أهل جحود وحدانيته ورسالة رسوله. حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: {وعذب الذين كفروا}، يقول: قتلهم بالسيف. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: {وعذب الذين كفروا}، قال: بالهزيمة والقتل. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: {وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}، قال: من بَقي منهم)).