بســـــــــم الله الرحمــــــن الرحيـــــم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومـن سيئـات أعمـالنـا مـن يهـده الله فـلا مضل له ومن يضلل فلا هـادي لـه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسولـه
أما بعد ...
● أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
سورة البقرة
▪ قوله تعالى : ( الطلاق مرتان ) ج19
قد حكى غير واحد من العلماء أن الصحابة أجمعوا في زمن عمر على نفوذ الطلاق الثلاث دفعة واحدة .
والظاهر أن مراد المدعي لهذا الإجماع هو الإجماع السكوتي ، مع أن بعض العلماء ذكر الخلاف في ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين . وقد قدمنا كلام أبي بكر بن العربي القائل : بأن نسبة ذلك إلى بعض الصحابة كذب بحت ، وأنه لم يثبت عن أحد منهم جعل الثلاث بلفظ واحد واحدة ، وما ذكره بعض أجلاء العلماء من أن عمر إنما أوقع عليهم الثلاث مجتمعة عقوبة لهم ، مع أنه يعلم أن ذلك خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - فالظاهر عدم نهوضه ; لأن عمر لا يسوغ له أن يحرم فرجا أحله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يصح منه أن يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبيح ذلك الفرج بجواز الرجعة ، ويتجرأ هو على منعه بالبينونة الكبرى ، والله تعالى يقول : وما آتاكم الرسول فخذوه الآية [ 95 \ 7 ] ، ويقول : آلله أذن لكم أم على الله تفترون [ 01 \ 95 ] ، ويقول : أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [ 24 \ 12 ] .
والمروي عن عمر في عقوبة من فعل ما لا يجوز من الطلاق هو التعزير الشرعي المعروف ، كالضرب . أما تحريم المباح من الفروج فليس من أنواع التعزيرات ; لأنه يفضي إلى حرمته على من أحله الله له وإباحته لمن حرمه عليه ; لأنه إن أكره على إبانتها وهي غير بائن في نفس الأمر لا تحل لغيره ; لأن زوجها لم يبنها عن طيب نفس ، وحكم الحاكم وفتواه لا يحل الحرام في نفس الأمر ، ويدل له حديث أم سلمة المتفق عليه فإن فيه : " فمن قضيت له فلا يأخذ من حق أخيه شيئا ، فكأنما أقطع له قطعة من نار " ويشير له قوله تعالى : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها [ 33 ] ; لأنه يفهم منه أنه لو لم يتركها اختيارا لقضائه وطره منها ما حلت لغيره .
وقد قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ما نصه : وفي الجملة فالذي وقع في هذه المسألة نظير ما وقع في مسألة المتعة سواء ، أعني قول جابر ، إنها كانت تفعل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر ، قال : ثم نهانا عمر عنها فانتهينا ، فالراجح في الموضعين تحريم المتعة وإيقاع الثلاث للإجماع الذي انعقد في عهد عمر على ذلك .
ولا يحفظ أن أحدا في عهد عمر خالفه في واحدة منهما ، وقد دل إجماعهم على وجود ناسخ وإن كان خفي عن بعضهم قبل ذلك حتى ظهر لجميعهم في عهد عمر ، فالمخالف بعد هذا الإجماع منا بذلة ، والجمهور على عدم اعتبار من أحدث الاختلاف بعد الاتفاق ، والله أعلم . اهـ منه بلفظه.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن