4- دفوع تخضع للسلطة التقديرية للقاضي :
هذا النوع من الدفوع هو ما تم التنصيص عليه بالفقرة الثانية من الفصل 49 موضوع الدراسة ، و هي الدفوع يجب أن يتوفر فيها شرطان : الأول أن يتحقق الضرر من جراء خرق بعض المقتضيات القانونية ، و الثاني أن تقبل المحكمة تلك الدفوع بعدما تتأكد من تحقق الضرر .
فهذا النوع من الدفوع يجب أن يثار من طرف ذو المصلحة الذي تضررت مصالحه بشكل محقق و يقيني ، أي أن التشبث بخرق مقتضيات قانونية غير مؤثرة أو منتجة في الدعوى لا يمكن أن يشكل نوعا من الدفوع المنصوص عليها بالفصل 49كما لا يمكن أن تدخل في نطاق مقتضياته ، و في هذا الاتجاه سار المجلس الأعلى في قراره عدد 348 الصادر بتاريخ 27-04-1984 و الذي جاء فيه " إن الخطأ الذي لم يترتب عنه أي أثر على ما قضت به المحكمة لا يعد وسيلة لنقض القرار الواقع فيه " ذلك أن الخطأ المرتكز عليه لطلب النقض و إن كان قد اعتبر خرقا قانونيا من طرف طالب النقض ، فهو غير ذلك بالنسبة للمحكمة التي ارتأت أنه غير مؤثر و غير منتج في الحكم الذي صدر و بالتالي فلا يمكن الارتكان إليه لنقض القرار ،و هو نفس الأمر بالنسبة للمقتضيات القانونية التي يمكن إغفالها و لا تؤثر في حقوق و مصالح الأطراف .
و قد عدد المشرع بعض الأنواع الداخلة في هذا الصنف الرابع من الدفوع ، و ذكر حالات البطلان ،و الإخلالات الشكلية و كذا الإخلالات المسطرية .
و هذا التعداد بدوره جاء عاما ومجردا بشكل يمكن أن ينضوي تحت أي نوع من أنواع الدفوع ،
فمثلا تلك الدفوع المتعلقة بالآجال المنصوص عليها بالفصول بالفصلين 40 و 41 من قانون المسطرة الدنية يجب أن تخضع للمسطرة الواردة بالفصل 49 من نفس القانون و الذي هو موضوع الدراسة ، ذلك أن الفاحص لمقتضيات الفصلين 40 و 41 من قانون المسطرة المدنية لا يمكن أن يثير انتباهه إلا الجزاء المترتب على عدم احترام المحكمة للآجال المنصوص عليه بالفصلين و إصدار الحكم تبعا لذلك غيابيا ، ففي هذه الحالة رتب المشرع البطلان على ذلك الحكم ، لكن لا يسري بالمفهوم المخالف نفس الأثر بالنسبة للأحكام الحضورية أو التي صدرت بمثابة حضورية ، ففي هذا النوع من الأحكام لا يلتفت للدفوع المتعلقة بآجال الاستدعاء ما لم تثر قبل الدفاع في الجوهر و النفاذ لمناقشته ، إذ لا يتصور أن ينفذ المدعى عليه لمناقشة الجوهر إلا إذا اعتبر أنه تجاوز تلك الشكليات و التي يكون هو نفسه قد قدر أنها لا تأثير لها على مسار الدعوى .
و في هذا الاتجاه سار المجلس الأعلى حين نقض قرار محكمة الاستيناف الذي أساء تطبيق مقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية ، حيث ذهب المجلس الأعلى إلى " أنه حقا لقد صح ما عابه الطاعنون ذلك أنه من جهة فإن الشهادة المعتبرة قانونا لإثبات التبليغات القضائية عند التنازع هي شهادة التسليم المنصوص عليها بالفصل 39 من ق م م و من جهة ثانية فإن الطاعنين لم يسلموا بفحوى شهادة كتابة الضبط المستظهر بها من طرف خصومهم و أعلنوا طعنهم فيها أمام المحكمة المستأنف لديها التي لها ذات الصلاحية للبث في هذا الطعن ، و عليه فإنه كان عليها لما طعن لديها في تلك الشهادة أن ترجع إلى ملف التبليغ و تبحث عما إذا كان يتوفر على شهادة التسليم التي هي وحدها المثبتة للتبليغ المدعى به أم لا ، الشيء الذي تعتبر معه لما لم تفعل ذلك و اكتفت بشهادة كتابة الضبط قد جردت قرارها من الأساس القانوني و عرضته بذلك للنقض " قرار رقم 1556 صادر بتاريخ 25/07/1986 في الملف المدني رقم 97475 منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى _ المادة المدنية _ الجزء الثاني ( 1983-1991) ص 425 .فيتضح من هذا القرار أن المحكمة المثار لديها هذا النوع من الدفوع المتعلقة بالتبليغات هي التي تختص بالنظر فيها إذا ما تحققت من وجود ضرر محقق و مؤثر و الذي يقع على عاتق الأطراف توضيح ذلك الضرر ،و ذلك تمشيا مع ما جاء بقرار المجلس الأعلى عدد 3407 بتاريخ 04-06-1997 صادر في الملف المدني رقم 3382/94 و الذي نص على ما يلي :" لكن فإن ما أثير في الوسيلة الأولى لم يترتب عنه أي لبس أو غموض في هوية الأطراف كما أن الطاعنين لم يبينا الضرر الذي لحقهما من عدم التنصيص على عناوين الأطراف فضلا عن أن القرار تضمن موطن الطرفين المختار " قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى رقم 52 السنة 20 ص 79
كما أن الدفوع المتعلقة بالتقادم يجب أن تثار أمام المحكمة المرفوعة إليها الدعوى قبل كل دفاع في الجوهر و بالتالي قبل النفاذ لمناقشة الجوهر ،و على المحكمة أن ترد على هذا النوع من الدفوع و أن ترتب عليه الأثر القانوني الواجب ، و ذلك تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في تلك الدعوى ، و عليه فقد جاء في تطبيق هذه القاعدة قرار للمجلس الأعلى قضى ب"أن الدفع بالتقادم هو دفه يؤدي إلى عدم سماع الدعوى ، يجب طبقا للفصل 49 من ق م م إثارته قبل كل دفع أو دفاع في الجوهر ..." قرار عدد 6026 صادر بتاريخ 07-10-1998 في الملف المدني عدد 3399/93 منشور بالتعليق على قانون المسطرة المدنية لغاية سنة 2000 للدكتور عبد العزيز توفيق الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة ص 52 .
كما أن الدفوع المتعلقة بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية و المتعلقة بالصفة و الأهلية و المصلحة أو الإذن بالتقاضي تعتبر دفوعا شكلية داخلة في إطار مقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية .
ومعلوم أن المجلس الأعلى سبق له أن حدد معني الدفوع الشكلية الوارد بالفصل 49 من ق م م و ذلك في القرار الصادر عنه و الذي جاء فيه " إن الدفع بعدم القبول المشار إليه في الفصل 49 من ق م م يهم الدفوع الشكلية التي يرد بها المدعى عليه الدعوى ، دون أن يواجه موضوعها أو مناقشتها و التي تسقط إذا أثيرت بعد الدفاع في الجوهر ما لم تتعلق بالنظام العام " قرار 1459 صادر بتاريخ 27-06-1992 منشور بمجلة المرافعة عدد 4 ص 125 .
و وفقا لهذا القرار فجميع الدفوع الشكلية التي لا تتعلق بالنظام العام - كما هو وارد بالمسائل المنصوص عليها بالفصل الأول من قانون المسطرة المدنية و التي يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تثيرها - يجب أن تثيرها ذوو المصلحة قبل كل دفع أو دفاع وفقا لمقتضيات الفصل 49 من قانون المسطرة المدنية و إلا كانت تلك الدفوع غير مسموعة