(يطلق على البيت بالوطن ، فكل انسان يتمنى أن يملك وطناً داخل الوطن) وها أنا قد اشتريته أخيراً بعد عناءٍ وجهد وعمل، وقعت عقد ملكيته واستلمت المفاتيح ، فما أجمل اليوم وأرق صباحه وأنقى نهاره. أحسست بالسعادة الغامرة تتملكني وفيض من الدفء يطرد برد الشتاء . بيت الأحلام واكتمال التأثيث وألوان الدهان الزاهية، والأجمل اسبوع راحةٍ من عناء العمل ومتاعبه، لم يعد سوى بعض الصحيات وأعمال الكهرباء . وما الضير سأبيت مع رومانسية الشموع وفروة البطانية. أخذت جولة جديدة في المنزل ،الصالة وغرفة للنوم والمطبخ والملحقات في الطابق الاسفل ، وغرفتين كبيرتين في الاعلى ، أغلقت النوافذ والأبواب وتناولت عشائي الجاهز . استلقيت على السرير المريح اتلحف البطانية الدافئة ، كل أحلامي تحققت وأنا سعيد جداً ومستعد لنومٍ هانئ ، وغداً مثيراً وكلي إثارة وحماس . اخذني النوم لساعة أو يزيد ثم استيقظت وانا أحس بالبرد ، عجيب من أين البرد وبطانيتي كثيفة الفرو ودافئة ، ولكن أين البطانية؟. الغريب إنها على الارض بعيداً عن السرير، لم أتعود أن القي غطائي وأنا نائم ، فمنذ غادرتني طفولتي لم أفعل، سحبتها وأنا أعتذر منها لشدة نشوتي ومرحي ، وتغطيت ونمت من جديد وأنهيت أحلامي وسلمت للسلطان، واستيقظت من جديد والبرد يهاجمني . ما الذي يجري .. البطانية على الارض من جديد وبنفس المكان، وباب الغرفة مفتوح .. اظن اني قد أغلقته بسبب البرد القارص في الخارج.. لا ذاكرتي ضعيفة وأكيد اني قد نسيته!! .. ولكني أكاد أجزم غلقه!! .. لا داعي للعناد أكيد أني نسيته!!. وضحكت عالياً لأطرد مخاوفي وأعتذرت من غطائي ، ولكوني ناضجاً فلا داعي للخوف وأعدت الضحكة ، ولكن ضحكتي قل صوتها بدون تعمد فقد سمعت شيئاً ، ظننته صوت ضحكةٍ من خارج الغرفة .. كأنها لامرأةٍ عجوز بصوتٍ جهوريٍ أجش، توترت للحظة وسكنت عن أي حركة. تنفست بعمق وأصغيت ... لا شيء .. يبدو انه نتيجة انفعالي وفرحي ، ضحكت من جديد ولكن في سري ،أغلقت الباب .. وأعدت الكرةَ واستغرقت في نومٍ لذيذ وأنا أقبض على طرف غطائي ، وما هي الا فترة حتى أحسست بشيء يجذب الغطاء حتى قدمي، تنبهت ولكن لم أفتح عيني .. ومن يقول أني سأفتحها !!.. وما حاجتي بالغطاء !!.. فالبرد جميل جداً !!.. وأنا شخصٌ قنوع !!. أصبحت كتمثال ثلج ، لم يميزني عنه سوى شهيقي وزفيري فلم استطع كتمهما، رغم إني قد حاولت ، ومرت الدقائق ولكن لا شيء يتغير ، فتحت قليلاً من عيني ونظرت ، ميزت الباب مفتوحاً .. فقد نسيته كالعادة!!!. نهضت وأنا أحاول أن أسترجع شجاعتي ، فما هي إلا أوهام وخيالات، وأنا بالغٌ .. ألم أقل ذلك سابقاً !!. خرجت من الغرفة وأنا أسير على أطراف أصابعي ، رغم أني كنت حافيا القدمين !!.. فالحذر مطلوب !!، لم أرى شيئاً غريباً ، وجلست على كرسيٍ في الصالة ، واستعدت هيبتي!! ، وبعدها بدقائق سمعت ضحكة العجوز من جديد ، الصوت قادمٌ من الأعلى ، نهضت بسرعة وتركت هيبتي على الكرسي!! .. فلم أعد بحاجةٍ لها !!. الظلام يلف البيت ولا يطرده إلا شمعةً صغيرةً قربي، نظرت للأعلى ولم أرى شيئاً ، هل أخرج من البيت ، وكيف أترك حلمي وأهرب ، سأصبر وأنتظر ، وما حاجتي أصلاً بالأعلى !! . ساد الهدوء طويلاً وارتحت قليلاً ، فما هي إلا وساوس وأوهام ، ثم سمعت صرير الباب العلوي يفتح ، زادت دقات قلبي وتسارعت وارتفع الشهيق والزفير ، وأصغيت السمع وأنا أترقب وأتساءل ، هل العجوز من فتح الباب ؟؟ هل ستنزل ؟؟ . وقطع تفكيري أصوات خطوات تسير في الممر العلوي، توقف قلبي عن العمل وكتمت شهيقي وألغيت زفيري ، وعيناي متجمدتان صوب الأعلى ، أنا متأكدٌ الآن إن هناك شيئاً ، وأقتربت الخطوات وسمعتها تنزل السلم ببطء ، ولكني لا أرى شيئاً ، ووصلت الخطوات الى أسفل السلم ، وسمعتها تسير بأتجاهي ، وأيضاً لا شيء منظور ، توجهت الى نهاية الصالة وظهري اسندته الجدار، ولكن صوت الخطوات لم ينقطع ، قادم بأتجاهي .. أقترب .. وأصبح قريباً جداً ، وأنا ملتصق بالجدار بشدة ، أصبحت الأقدام قربي ، ولكن لا شيء ظاهر ، شممت رائحة أنفاسٍ كريهة ، جلست على الأرض والخوف يكاد يقتلني، ثم ظهر فجأة وجه عجوزٍ قبيحةٍ جداً ، وأطلقت ضحكةً كالصرخة المجلجلة ، ارتعدت فرائصي ، وارتجفت ساقاي ، وأختل توازني فسقط رأسي على الأرض مغشياً علي. استيقظت بعدها وكان الصباح قد حل ، احسست بوجعٍ في رأسي ، تلمسته وكذلك جسمي ، وتذكرت ما مر عليّ في الليل ، نهضت من مكاني وتجولت بنظري في مسكني ، واعتبرت الموضوع انتصاراً ، فأنا لم أهرب برغم ما حدث ، ولن أترك بيتي مهما حدث . أخذت ورقةً وقلماً وكتبت تحدياً ، خرجت من البيت وعلقت الورقة على الباب من الخارج ، وقرأتها وأنا أزهو بالانتصار وأبتسم وكان مكتوباً عليها ... (( الـدار للبيــع .. لمـن يرغـب يرجى الاتصال برقـم الهاتــــف ****** )) |