موزع البريد ........ بقلمي
ط¢ط®ط±
ط§ظ„طµظپط­ط©
دقات قلم
  • ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 410
    ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 555
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
دقات قلم
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 410
ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 555
ظ…ط¹ط¯ظ„ ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ ظٹظˆظ…ظٹط§: 0.1
ط§ظ„ط£ظٹط§ظ… ظ…ظ†ط° ط§ظ„ط¥ظ†ط¶ظ…ط§ظ…: 4259
  • 21:04 - 2014/02/12
 
 
موزع البريد
 
 

ها هي علامات الكبر تلوح أمام العينين أخيرا .......... و ها هي أقسى ثواني العمر تطبق عليه بقبضة من حديد .

و ذلك الوهن المقيت بدأ يدفع همسات السرور بعيدا لتحل محلها لحظات عسيرة كرجفان اليد و تجعد البشرة و ارتفاع الضغط و  وهن العيون ......

تلك العيون العسلية التي كانت في يوم مضى شعلة مضطرمة من الجمال و السحر البديع ، ترى ماذا حل بها اليوم ؟

و ذلك الشعر الحريري نال نصيبه أيضا فقد وشع به الشيب و أضاءت به خيوطه البيضاء الصامتة و الموحية بقروب النهاية ، و برغم ذلك كله مازال بداخل الرأس المترنح مليون حكاية و مليون سر و أمنية .كم آلمتني رؤية الجسم الهزيل ذي الساقين المستدقتين عند أخمص الأقدام ، إنه يحتضر فوق حافة السرير  فهل هي النهاية هذه المرة؟؟

ماذا ستترك و راءك غير بدلتك السوداء الرسمية ، و حكايات رسائل خالطتها النشوة و الطموحات و الشجن ، بل أنت بحد ذاتك رسالة تمشي على بقدمين و تجول بين الشوارع و المدن و الحارات الضيقة ، أنت رسالة ود يا موزع البريد ، تنتظرك العيون المتلهفة خلف البيبان ، بقلوب مازجتها عواطف القلق و اللهفة و الشوق في انتظار رسالة من عند الخطيب ، أو من عند ولد مغترب يقبع خلف الديار ، أو من والد هائم في أقاصي الأرض بحثا عن قوت العيال ، اليوم أقف لك بكل احترام ، احترام يليق بمقامك يا ناشر الأخبار السعيدة ، و يا صاحب المحفظة الجلدية القديمة المهترئة الأطراف .

في صغري كنت أراك مهرولا في نشاط يشي بحبك لمهنتك ، و كانت يدك الخفيفة تضع الرسائل تحت الباب بينما تطرق اليد الأخرى على الباب في خفة مماثلة ثم سرعان ما تختفي بين الحيطان كالسراب . و أخيرا أعطتك مهنتك شكلك المحبوب ، و روحك الوديعة و قلبك المجاهر بمحبة الناس ...قال والدي مسيقنا :

إن ساعي البريد هو الإنسان الوحيد الذي لا يفرق بين طبقات البشر، فهو يوصل الرسائل للفقراء و الأغنياء ، و لليتامى و الثكالى و كذلك للصوص و السكارى .

-كم من مرة تعرضت للإزعاج و أنت تمارس مهنتك ، كأن يتبعك الأولاد الصغار و هم يغنون خلفك في حبور " الفكتور الفكتور..... راهو يدور راهو يدور .....نديرولو قهوة و فطور " ..... أو أن تتعرض لعضة كلب شريد قرب مكب النفايات.

و ربما باغتك أحد الحمقى بحجارته المصوبة نحوك . و رغم ذلك كله تواصل عملك في خشوع عجيب .

كم من مرة أحببت أيها الرجل المثالي ؟ ..... و أي جنون اعتراك و أنت تقفز خلف سور الحديقة تود لقاءها ؟

يومها نعتك زملاؤك بالمجنون.

في الحقيقة لم تكن مجنونا و لكنك كنت رمزا للحب و اندفاعاته الثائرة، كانت رعونة الحب و الشباب تتفجر في قلبك في كل ثانية ، و أحد في الدنيا لم يفهمك بالقدر الذي فهمتك به هي ،أما زملاؤك فلم يصفوك بالمجنون إلا غيرة منهم ، فهم كانوا لا يفقهون في ثورة الحب إلا الرماد .ولا يحسنون السفر لعالم الحب إلا بجوازات سفر مزيفة ، أما أنت فتدخله من بابه الواسع.

كنت رفقتها تجلس عند التلة الكبيرة، و ترمقان بعيون دافئة مغيب الشمس، فوق تلك التلة بايعتها على الحب و بايعتك على الوفاء ، و ها هو الحب يثمر آخر الأمر بالأولاد و الروعة و الهناء.

كنتما تحبان سقوط الثلوج و في كل عام تنتظران عودة زوج اللقالق الذي يعشش فوق عمود الكهرباء المقابل لبيتك، و مع عودة اللقالق كنتما تجددان عهد الحب و الوفاء .

فليشهد الحب يا موزع البريد أنك أستاذي ، و أنك وحدك نبع يستقى منه معنى التضحية من أجل الطرف الآخر ،علمتني كيف أقتحم عالم الود بقلب صاف و علمتني كيف أجول فيه كالمركب الساري و هو يشق اللج مختالا، قصصك تدور في المجالس كلما احتسيت قهوة أو شربت شايا ......فأتوق بكل قوى العالم أن أشكرك .

أود الآن أن أسألك : هل كنت تكتب رسائل الحب لحبيبتك و توصلها إليها بيدك ؟

-اليوم و بعد ذلك الزمن الجميل ، يلقيك القدر جثة هزيلة ضعيفة فوق السرير ... و محبوك يتسمرون حول سريرك متمنين لك الشفاء . و جاء الطبيب فجأة و رأسه يقذف بعينيه في كل اتجاه ، تطلع الجميع إلى عينيه الداهشتين فتيقنوا من صعوبة الموقف .

و خلف الأكتاف تبودلت النظرات الحائرة و طارت الأماني و الدعوات بالشفاء لساعي البريد . و لكنه كان ينظر إليهم في ابتسامته المعهودة و طلب منهم أن يهونوا على أنفسهم ريثما يحين القضاء .

-رشف من كوب الشاي رشفة صغيرة ، و بالجهد عدل هيئته وسط محبيه ، و راح يتحدث بلا نهاية عن عمله الذي مارسه لثلاثين سنة كاملة . إنها مرحلة كفيلة بصنع الرجال و فيها تدجنت حواسه و من خلالها رأى الدنيا بعين متفحصة عليمة ، نظر إليهم بود و قال بصوت مبحوح مازجته ابتسامة :

أعتقد أنني أديت رسالتي في الحياة ..

 

أخوكم : أمين ولد سعيد


 موزع البريد ........ بقلمي
ط¨ط¯ط§ظٹط©
ط§ظ„طµظپط­ط©