||ـ|من أوراق سجين |(خاص بمسابقة قلعة ستار القصصية .الجولة الثالثة )|ـ||
ط¢ط®ط±
ط§ظ„طµظپط­ط©
جد محمد
  • ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 2423
    ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 1687
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
جد محمد
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 2423
ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 1687
ظ…ط¹ط¯ظ„ ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ ظٹظˆظ…ظٹط§: 0.5
ط§ظ„ط£ظٹط§ظ… ظ…ظ†ط° ط§ظ„ط¥ظ†ط¶ظ…ط§ظ…: 4701
  • 17:04 - 2012/12/17
 

من أوراق سجين

 

 

بعد أن أخذ محمد دواءه ذاك الصباح ، استرخى قليلا على سريره و هو يسحب نفسا طويلا مفعما بذكريات الأمس الموجعة . كانت الشمس تداعب جفنيه من خلال تلك النافذة و هو ممدد حين رنت أجراس التدوين أبواب ذاكرته ، نبش بمحفظته المجاورة فأخرج ورقة بيضاء و قلما ثم سجل بحروفه الحزينة المقتطف التالي:

***

بعد أن جردوني من كل ما أحمله من وثائق و لوازم ، زجوا بي في تلك الغرفة . غرفة ضيقة احتلها سكون آثم ..لا منفذ فيها للهواء سوى ملتقى أسفل الباب بالإسمنت الأرضي و كوة في أعلى الجدار تتسرب منها أشعة باهتة و قد ارتشفتها برودة المكان ، هي ايضا معبر لهمسات الزمن فبواسطتهما رسمت ساعتي و كنت اتبين الليل من النهار و بذلك صارت بوصلتي .  لولا تلك الكوة ماميزت بين رحيل النهار و لا حلول الظلام .. فحتى حراس هذا السجن الغريب عندما يشتد غضبهم لواقعة قد تحدث في غرفة من الغرف تسمح تلك الكوة بدخول أصواتهم و هم يصارعون أحد العصاة من المقبوض عليهم

( أو المختطفين ) و يضحكون و هم يسامرون ليلهم الطويل .

 في أعلى السقف سلاسل و أغلال كانت في بداية السنة الأولى كلما جاؤوني للتحقيق تتدلى كي تحملني موثوق اليدين و الرجلين ، معصوب العينين .  بوسائل مختلفة كان يبدأ زمن التحقيق و التعذيب كي أعترف ، فاعترفت لهم بما أرادوا من أكاذيب تحت القهر . بالركن المقابل لسريري الإسمنتي المفروش بشبه بطانية و أسمال رثة ، مصباح يرسل ضوءا باهتا ليلة و يغيب لأشهر قبل أن يعود حاملا بعض الآمال . بجواري و بمسافة لا تزيد عن المترين مرحاض / شاهد على العصر ، يحكي عن كل من مر من هنا ، و تنبعث من أحشاءه رائحة كريهة، فيه كنت أقضي حاجتي . على الجدران حكايات الألم و الوجع و لأول مرة منذ مدة طويلة جاءني أحد الحراس بمكنسة و قطعة قماش و قنينة كْرِزِيل فطلب مني قائلا يا ولدي عليك بتنظيف المرحاض . عجبت لهذه الإلتفاتة من مسؤولي هذا "السجن" . عندما سألته (الحارس) عن سر ذلك، قهقه و رد قائلا ربما هناك جمعية حقوقية عالمية ستزور هذا "السجن "عما قريب . ترك لي فسحة لم أعهدها من قبل و عندما نفذت الأوامر ، وجدت الحيطان تحكي . فكتب أحدهم : كيف حالك أمي ألازلت على قيد الحياة ؟ و كتب الثاني : هنا يُصنَع المجرمون و يكْبرُ الظلم..و كتب ثالث : حبيبتي انتظريني أنا عائد و حنيني اليك أضناني ..و حفر آخر حروفا لم أتبينها ... ابتسمت رغم ما أعيشه من مآسي و قلت سبحان الله حتى في الأَسْر فالناس معادن . تحدثت للحارس و أوضحت له سبب تواجدي بهذه الغرفة / العالم .  لكنه لم يبال ، أغلق الباب فتركني وحيدا و مضى ... ممنوع أن تسأل و ممنوع أن تتكلم و لو لوحدك عليك بالطاعة و بأكل خبز يابس و شرب ماء و قضاء حاجتك في مرحاضك .  ممنوع حتى من التذكر فلا مكان هنا للذكرى بل هو موت بطيء...

مضى الحارس و جلست أتذكر حين أمرني صديقي أن أكتب ذاك المنشور، قال لأن خطي جميل و اسلوبي رائع و سردي سلس يجلب القارئ و يقنع المتلقي . فكتبت ، كتبت عن الحرية و عن التسلط و عن دكتاتورية الطبقة الحاكمة فأمرت الناس أن يهبوا هبة رجل واحد إن هم أرادوا الحرية و العدل المفقودين . فقلت مع قرارة نفسي ربما أستحق على الأقل محاكمة عادلة. لكنهم اختطفوني في واضحة النهار، كانوا ملثمين و بمجرد اقتيادي لخطوات شدوا وثاقي و وضعوا بإحكام عصابة على عيني فبدأ زمن الظلام و الظلم الأبدي ينتشر على ذاكرتي . حملوني في اتجاه مجهول و أودعوني هذه الغرفة الغريبة . طال مقامي بها و بات وجع المفاصيل يعذبني و بعض الفطريات بدأت تنهش جلدي . فأحسست أني أقف على شفير كارثة لا قرار لها .تلك الليلة التحفت غطائي الهرم و تقوقعت على سريري الإسمنتي، ارتعدت بشدة إنها الحمى الباردة ! انكمشت حتى صرت على شكل كروي، فغرست ركبتي في صدري و بينهما وضعت رأسي و امسكت بكل قوة يدي على ركبتي فأجهشت باكيا . بكيت بصمت قاتل فشكلت دموعي منبعا لدفء افتقدته زمنا طويلا و مصدرا لملوحة غابت عن بالي . أخذت أسعل بشدة ، هز السعال أعماقي كح،كح،كح...حتى بصقت شيئا لزجا كالدم . كنت وحيدا أصارع الموت المحقق . الزنزانة ضيقة و البرد الخريفي قاتل و مسترسل بهذا المكان فتساءلت : لماذا يؤجلون موتي ؟ هل فعلا كتابة ذاك المنشور باهضة الثمن ؟؟ فجاءني شبه جواب من غريب عَبَرَ الكوة و دخل بدون استئذان و ما أن أحس بي و بأسئلتي تكبر حتى رد قائلا :تك تك..تك تك ...

تيقنت أن ضيفا دخل الغرفة الضيقة باحثا عني أو ربما يحمل الي خبرا ما من تلك الكوة دخل زائرا في هذا الوقت المتأخر من الليل و الزمن . و دون شعور قفزت من مكاني و نسيت كل أوجاعي فتوقفت عن البكاء . لم أعد وحيدا و لأول مرة أحسست بحرارة تغزو جسدي فبحثت عن مصدر ذلك الصوت الذي تردد صداه في أعماقي ، ذكرني أمي و حالها في غيابي . ذكرني أبي و مآله مع لقمة العيش. ذكرني كل أهل دربي واحدا واحدا فبكيت من حر الذكرى .آه.. لم يعد للفضاء وجود في وجداني صرت و كأني خارج هذه الزنزانة الإنفرادية ،خارج هذه الجدران الشاهدة و التي تحكم قبضتها على روحي حتى صرت بحجم الفراغ !! تردد صدى صوت زائري تك تك ..تك تك ...صوت من أعماق عمري ، فصرخت بصوت هستيري من تكون أيها المعمر الجديد لكل أركان جسدي ؟؟ هتفت غير عابئ بالحراس و لا بأسيادهم فانتظرت الجواب طويلا..طال انتظاري ، لا جواب غير سنين العمر التي تصارع صوت صاحبي الذي سكن خلسة غرفتي لم أراه يوما و لكن صوته المسترسل تك تك ..تك تك ، عمر عني دروب الحياة . و كلما اشتدت أحزاني و طال انتظاري، يداهمني بصوته مخففا عني مصابي . لازلت أذكر حين همس بأعماقي تلك الليلة سائلا :اسمع يا ولدي كم لبثت بهذا السجن ؟ سنة ، سنتين ، بضع سنين؟ صدقني ان السجن بهذه الغرفة أرحم من ذاك الذي تظنه حرية في شوارعكم المكتظة و مدنكم العامرة و قراكم الخاوية ، أرحم و لسوف ترى .ثم انطلق صوته كالمعتاد دون أن أراه : تك تك..تك تك ...

صور سجن ابو سليم جديدة

مرت السنون و حين جاءني السجان ذاك الصباح قائلا : انهض يا عم إفراج ... طلب مني أن أخذ الدواء أولا . فسألته عن أي دواء يا هذا تتكلم أخبرني قائلا: إنك أصبت بما يشبه المس أو الجنون ياعم منذ أزيد من عشرين سنة و انت هنا تهذي..قال و حين تأكدوا من براءتك سهروا على تطبيبك قبل أن يُطلق سراحُك . و الآن مبروك عليك الإفراج .كنت أسمع منه كلمة إفراج دون أي رد فعل، ماتت كل أحاسيسي. لم أقو على النهوض فساعدني ذاك الحارس /الشاب على الوقوف أحسست أن كل شيء تلاشى بدواخلي حاولت أن أسترجع بعض ذكرياتي لم يخطر ببالي غير صوت زمن الإعتقال و هو يتردد بذاكرتي تك تك ..تك تك . مشيت متثاقلا و انا أتوكأ على الجدار . عندما مررت على باب الزنزانة أحسست بأن مشاعري ماتت و ذكرياتي لم يبق لها أثر . فقفلت راجعا الى غرفتي الضيقة هناك حيث صوت رفيقي  ( تك تك ..تك تك) لازال يوقظ غربتي . لكن صاحبي الحارس قبض بيدي و هو يدلني قائلا من هنا ياعم باب الخروج ...

***

لم يعد يخيفني سجن و لا سجان لأنهم ظلموني و خربوا حياتي أدخلوني شابا يافعا و أخرجوني شيخا هرما بل هيكلا عظميا .فقتلوا في دواخلي كل مشاعر الفرح و الحلم و حتى الأمل .

هكذا قال قبل أن يضم الورقة الى رزنامة أوراق مذكراته ...

 

انتهى!

                                                                                     بقلم : محمد (أمازيغ1)

 ||ـ|من أوراق سجين |(خاص بمسابقة قلعة ستار القصصية .الجولة الثالثة )|ـ||
ط¨ط¯ط§ظٹط©
ط§ظ„طµظپط­ط©