هناك حَدَّثـَنِي مِنْ أرْض ِ الصومال ِ...
هـُناكَ تـُزهـَقُ بسَببِ الحَرْبِ والمجَاعةِ الكثيرُ مِن الأرواح ِ...
هناك ببطحَاءَ قاحِلةٍ أكواخٌ انعَدَمَت فِيها أدْنى مُتطلباتِ الحَيَاة ِ...
هناك اندثرت كل القيم الإنسانية وَصَعدَت إلى السّمَاء ِ...
هناك صراخُ الثكلى والأرامل والمعطوبين والأيتام...
هناك افتضحَت ادّعاءاتُ انتسابِنـَا للإسلام حِينَ صَرَختِ الأرضُ...
وا عروبتاه... وا إسلاماه...
هناكَ طفلٌ قد بُترتْ رجلـُهُ اليُسرى بسَببِ لـُغْم ٍ أرضيّ ٍ يسكنُ كوخا بملابسَ رثةٍ باليةٍ تـَعَوّدَ أن يُخفِيَ تحتَ قميصِهِ المُمَزق ِ حُفنـَة َ خبْز ٍ يَابس ٍ اخْتَزَلهَا مِن حِصّتِهِ ليَتـَسَللَ بها إلى الخارج بعكازين ويذهبَ في اتجاهِ كـَوْمَةٍ صغيرةٍ مِن الحَصَى تـَبعُدُ بكيلومتر ٍ حيثُ هناكَ كلبٌ مَريضٌ مُلقىً عَلى الأرْض يُلاعبُهُ لبَعْض الوقتِ ويُقدم إليْهِ الشرابَ وَالطعَام ثم يعودُ إلى كوخِه، هذِه المَرة سَعدَ كثيرا حينَ ظفـِرَ بقطعة لحم ٍ لأول مرّةٍ يـُطهَى في كوخِهمْ، أرادَ التسللَ كعادَتِهِ إلا أن أمّـَهُ باغـَتـَتـْهُ لدى الباب وأخرجتِ اللحْمَ مِنْ تحْتِ قميصِهِ وقالتْ له: كلْ يا بُنيّ... نظر إليها في توسل وقد قطـّـَبَ عينيهِ يَسْتـَجْدِيهـَا الذهابَ مِن غير أن تسأله إلى أين... حَضَنـَتـْهُ وربّـَتتْ عَلى ظهرهِ وقالت له: آسفة يا بُنيّ... لقدْ كنتَ تـُطعمُهُ لـِنـَقتاتَ بـِهِ في هذا اليوم الجدّ حَرج في حَيَاتِنا... اغرورقت عيناهُ بالدموع وَانزَوَى إلى ركن بالكوخ وجعل قطعة اللحم بين عينيه وقال: سَامِحْنِي يَا صَدِيقِي...الجُوعُ أقـَوَى مِنْ صَدَاقـَتِنـَا... وأخذ يُقطـّـِعُ اللحْمَ ويَمْضغـُهُ...
