
هناك بعيداً عن ضوضاء و ضجيج المدينة، في مكان هادئ جميل لا يُسمع فيه لغو و لا كذب، بعيداً عن زيف و خداع البشر و نفاقهم و كل أنواع الشّر،
فضّلت أن تكون.. و اختارت أن تجلس فيه و لو لحين بعد أن جذبتها شجرة الصنوبر الشامخة، الطويلة، العريضة و المكتضة أوراقها، تتوسط الغابة و تحيط بها الأشجار المنحنية لها و كأنّها الملكة.
إقتربت منها، وقفت عندها، رفعت رأسها إليها حتى أصابها دوار، إنبهرت بها و أُعجبت بصمودها و شعرت بقوتّها و هي تحجب أشعة الشمس و تحبسها بين أغصانها و أوراقها و تُخرج من ضوئها فقط ما يزيد من جمالها و رونقها
لترسم في حبكة لكل عين مجردة أجمل لوحة فنّية فما أجملها و ما أروع سحرها الفتّان.

تُغلق عينها و تحبس أنفاسها و تستمع في هدوء منقطع النظير إلى مختلف الأصوات؛ حيث يزغرد الطير و يشدو على شجرة الصنوبر الشامخة،
خرير المياه العذبة المنهمرة من العناصر و المنابع الجبلية و حفيف أوراق الشجر المتساقطة على الأرض في حنّية لتصنع منها أجمل
و أعذب لحن تطوّق به تلك اللّوحة الفنية حتى تنطق جمالاً تتجلى فيه القدرة الإلاهية، فسبحان مبدع الأكوان و خالق البشرية.
و بينما هي مستسلمة لهذا السحر و الجمال الذي لا يُقاوم و بعدما تركت نفسها لراحة لحظية بعيداً عن الخوف و القلق و كل الضغوطات النفسية،
فإذا بصوت دافئ يفيض حناناً يلفظ إسمها، إلتفتت وراءها لتجده هو!
هو من تمنت أن يقاسمها تلك المتعة التي تشعر بها، يشاركها عالمها الساحر، هو دون غيره من النّاس لأنه ليس مثلهم و لا يشبههم.
- ماذا تفعلين هنا؟
- أستمتع بروعة الطبيعة و جمال المكان.
- إن وددتِ إكتشاف الطبيعة و جمالها فتعالي أرشدك على أجمل مكان، تكتشفين من خلاله سحر و عظمة خالق الأكوان.
أخذها من يدها و سار بها نحو أعلى صخرة و ما أن وصلت و وقفت عليها حتى إنبهرت بسحر ما رأت و ملك بهاء الطبيعة مشاعرها.
تجاذبا أطراف الحديث و لم يشعرا بمرور الوقت حتى فاجأهما الغروب بخيوطه الذهبية و ألوان الورود الجورية، يحرّك بداخل العشاق و المحبّين أجمل الأحاسيس الرّومنسية، و تعزف الطبيعة للحب أعذب سيمفونية أبدية.
راحت الشمس تتوارى و تنحسر رويداً رويداً، تضّم بين جنباتها أسمى المشاعر الإنسانية و أنبل و أرّق الأحاسيس البشرية، تضم بين أحضانها الحب بحرارته، بحلاوته، تخبئه في لهيبها المحرق ليزيد إحراقا و تأججاً.
أخذت تنظر إليه، سبحت بخيالها في عينيه و ابتسامة دامعة تختال في عينيها، تمنت أن تغرق بداخلهما حتى تصل إلى قلبه و تتربع فيه لينبض بحبّها،
و ظل هو يتأملها، و قال في إعجاب ظاهر:
- آه.. ما أجمل عينيكِ، و لشد ما تفتن نظراتك و تملك و تسيطر و ما أعمقها، مليئة بالوعود و الأحلام.
خفق قلبها حتى كاد ينشق صدرها و يخرج من بين ضلوعها، و نبض الحنان في عينيها و شعرت بتأثير بالغ يغمر قلبها.
و بينما هي شاردة تائهة فيه .. أمسك يديها برفق و بكل حنان الدّنيا قبّلها على جبينها و همس في أذنها قائلاً:...!!!
لحظتها سقطت حبة من حبات الصنوبر على رأسها حتى أفزعتها و أيقضتها من غفوتها، 
فأفاقت و هي تنظر و تلتفت برأسها في لهفة و شوق هنا و هناك و كأن أحدا أو شيئا ما فقدت و ضيّعت،
فلم تجد ما كانت تبحث عنه، حينها أيقنت أن ما رأت لم يكن سوى أماني داخلية ترجمها عقلها الباطني إلى أحلام جميلة وردية،
إستكثرت الطبيعة عليها أن تعيشها في هدوء و بكل حرّية.
وقفت و ثيابها ممّا علق بها نفضت و باستهزاء على نفسها ضحكت و تمنّت:
- ليتني أستطيع البقاء حيث أكون، و السير حيث أريد و المضي أين يروق لي، لا ألتزم أو تُلزمني الحياة بها و لو بجزء يسير.
- ليتني أقّل ممّا أنا عليه، أمحي المنى من عالمي، فأنى لي ذلك...
عادت أدراجها و رجعت من جديد إلى عالمها الذي يعّج بالفوضى و الرّوتين و الحياة الجافة.
بقلمي اللّحظة.