¦¦๑¦¦ محاضرات: المحاكمة العادلة ... الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
ط¢ط®ط±
ط§ظ„طµظپط­ط©
halim DZ

  • ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 43700
    ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 14943
مشرف سابق
halim DZ

مشرف سابق
ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 43700
ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 14943
ظ…ط¹ط¯ظ„ ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ ظٹظˆظ…ظٹط§: 7.1
ط§ظ„ط£ظٹط§ظ… ظ…ظ†ط° ط§ظ„ط¥ظ†ط¶ظ…ط§ظ…: 6122
  • 13:28 - 2009/10/31

 

المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية

 

الأستاذ الدكتور عمار بوضياف

 

 

مقدمة:

إذا كانت السياسة الجنائية في كل مكان وزمان تفرض تجريم بعض الأفعال الضارة بمصلحة المجتمع ومصلحة الأفراد، ووضع عقوبات لها. ولا يتصور أن يعرف المجتمع استقرارا وتنمية وعمارا ومدنية خارج إطار هذا التجريم وهذا العقاب. فإن العدالة الجنائية من جهة أخرى تفرض النظر إلى المتهم باعتباره إنسانا، له كرامته وشعوره،كيانه وشخصيته، ومن حقه أن يتمتع بمحاكمة عادلة، أيا كان الفعل المنسوب إليه، وأيا كانت حالته السياسية أو المدنية أو المالية، تمس جميع المراحل ،سواء مرحلة التحري والتحقيق أو مرحلة المحاكمة أو مرحلة تنفيذ العقوبة.

ولقد استقطب الحق في المحاكمة العادلة، وهو من أرقى حقوق الإنسان اليوم ، اهتمام المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وكذلك المنظمات والاتحادات الإقليمية، وامتد الاهتمام للمنظمات غير الحكومة، وجمعيات حقوق الإنسان ومنظمات المحامين في كل الدول. وعرف هذا الحق بالتحديد العديد من التظاهرات العلمية، من مؤتمرات وملتقيات وندوات في كثير من الدول، كان لها الأثر العميق والفاعل في الكشف عن مختلف الجوانب الإجرائية للمحاكمة العادلة. وفي دفع المشرعين للاهتمام أكثر بهذا الحق وإعادة النظر في منظومات قانونية إجرائية.

وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد كرس جملة من الضمانات وصولا لمحاكمة عادلة. وهو ما تأكد في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وتم تثبيت هذه الضمانات في اتفاقيات كثيرة أمريكية وأوروبية وعربية وغيرها. وجسدت هذه الضمانات في دساتير هذه الدول، وفي قوانين الإجراءات الجنائية، فإن السؤال المطروح: ما هي مصادر قواعد المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية؟. وهل كفل النظام الجنائي الإسلامي ضمانات للمتهم بما يحقق المحاكمة العادلة؟. وما هي أوجه الشبة والالتقاء بين ضمانات المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي وبين الضمانات المقررة للمتهم في المواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؟ وبم تميز النظام الجنائي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الوضعية؟.

وإن الغرض الأساس من طرح هذه الأسئلة هو الكشف أولا عن مدى تميز قواعد المحاكمة العادلة المقررة في النظام الجنائي الإسلامي عن تلك المقررة والثابتة في المواثيق الدولية . وثانيا تأكيد حقيقة علمية أن النظام الجنائي الإسلامي كان سباقا في إقرار كل ضمانات المحاكمة العادلة مع الاستدلال بالقواعد التي تؤكد ذلك .

ولما كان موضوع المحاكمة العادلة من السعة بمكان، فإننا سنقتصر في مؤلفنا هذا على مرحلة المحاكمة دون مرحلة التحقيق أو ما يطلق عليها بمرحلة ما قبل المحاكمة .وهذا بالنظر لأهميتها كونها المرحلة الحاسمة التي سيتقرر مصير المتهم من خلالها إما بإدانته أو إقرار براءته.

ولقد قدرنا معالجة هذا الموضوع من خلال مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: مفهوم المحاكمة العادلة.

المبحث الثاني: مصادر قواعد المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية.

المبحث الثالث: ضمانات المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية.

     ونتوج هذه الدراسة باستعراض أهم النتائج التي توصلنا إليها.                                          

 

المبحث الأول

مفهوم المحاكمة العادلة

إذا كانت الوظيفة الأساسية لقانون العقوبات في سائر الأنظمة تكمن في تكفله بحماية وتأمين مصالح الأفراد والجماعة لضمان حد معقول من الاستقرار الاجتماعي، فإن هذه الوظيفة لن تكتمل إلا بتنظيم الإجراءات الجنائية التي يتم بمقتضاها توقيع العقاب على الأشخاص الذين يرتكبون أفعالا تندرج تحت   نصوصه. [1]

وإذا كان من المسلم به في سائر الأنظمة القانونية أن لكل دولة الحق في توقيع العقوبة اللازمة على مرتكبي الجرائم، من وطنيين وأجانب مقيمين فوق ترابها، تأمينا لمصلحة الجماعة والأفراد، إلا أن ممارسة هذا الحق يظل مقيدا بمراعاة الدولة لضوابط المحاكمة العادلة وإتباعها سائر الإجراءات التي تكفل احترام الشخصية القانونية للمتهم، أيا كانت حالته السياسية، وأيا كان وضعه الاجتماعي ، وسواء سبق له المثول أمام المحكمة وتوقيع العقوبة عليه، أو لم يسبق له ذلك. وهو ما يفرض على المشرع تحقيق التوازن بين مصلحتين متعارضتين، هما المصلحة العامة في تحقيق العدالة الجنائية بتطبيق قانون العقوبات، والمصلحة الخاصة في حماية الحرية الشخصية وما التصق بها من حقوق الإنسان [2] . ولا يمكن أن يتجسد التوازن في أرض الواقع ما لم تخصص الدولة قواعد إجرائية، من شأنها ضمان محاكمة عادلة، عادة ما يتم إقرار   أصولها العامة في النصوص الدستورية وقواعدها التفصيلية في قانون الإجراءات الجنائية والقوانين الأخرى ذات الصلة. وهذا ما دأبت عليه مختلف الأنظمة القانونية .

ولقد وصف الأستاذ الدكتور فتحي سرور المحاكمة العادلة على أنها أحد الحقوق الأساسية للإنسان. وهي تقوم على توافر مجموعة من الإجراءات التي تتم بها الخصومة الجنائية في إطار حماية الحريات الشخصية وغيرها من حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة. [3] فالمحاكمة العادلة تقوم أساسا على توافر مجموعة إجراءات تلازم كل مراحل المساءلة الجنائية، من شأنها أن تحفظ للمتهم كرامته وشخصيته القانونية.

ولا ينبغي تطبيقا لهذه الإجراءات ،إخضاعه لمعاملة قاسية، أو تعريضه للضرب والعذاب، أو دفعه على الاعتراف ضد نفسه، أو عدم تمكينه من تقديم أدلته وتوضيحاته،أو حرمانه من ممارسته حق الدفاع، أو إحالته على محكمة خاصة. ولا ينبغي أيضا فرض ازدواجية في مجال الإجراءات الجنائية ليطبق كل إجراء على فئة دون أخرى، بل يتعين أن تكون الإجراءات واحدة إذا كانت الجريمة المنسوبة للمتهم واحدة.

 وتقتضي أصول المحاكمة العادلة أن يعامل المتهم معاملة البريء حتى صدور حكم الإدانة ضده من قبل جهة القضاء المختصة، وبعد توافر جملة الأدلة تجاهه ، وبعد أن يمكن من كل الضمانات المقررة له قانونا. كما تقتضي عرض قضيته على محكمة مستقلة محايدة ،وأن تنظر فيها نظرا موضوعيا عادلا وسريعا، وأن يسبب الحكم، ويمكن المتهم من حق الطعن.

و ترسخ الاعتقاد لدى الكثير اليوم، أن الحرية لم تعد مجرد فكرة مثالية أو نظرية،بل صار لها وجودا على المستوى العملي، و قيمة محددة يتمتع بها الأفراد في مواجهة السلطة ،وذلك عن طريق تقييد نشاطها وتحديد نطاقها. وهذا القيد يسمى بمبدأ الشرعية الإجرائية ،والذي تدور حوله فكرة المحاكمة العادلة.

وإذا عدنا للنظام الجنائي الإسلامي نجده قد حرص على حماية المتهم باعتباره إنسانا في كل مراحل المتابعة والمحاكمة ، بل وحتى مرحلة تنفيذ العقوبة ،حرصا لم ترق إليه القوانين الوضعية. ومكنه من وسائل الدفاع عن نفسه. وافترض فيه البراءة حتى يثبت العكس. كما لم يعتمد النظام القضائي الإسلامي فكرة المحاكم الخاصة أو الإجراءات الخاصة، بل كانت هيئات القضاء واحدة تنظر في جميع الجرائم، وبذات القواعد الإجرائية والتي اتسمت بالبساطة بحكم بساطة المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.

وكانت الدعاوى المعروضة أمام القضاة   يفصل فيها في آجال قصيرة، لأن إطالة عمر النزاع أمر تعارضه شريعتنا الغراء، وهي شريعة العدل والعدالة. وسنفصل في كل هذه الأحكام الإجرائية باعتبارها ضمانات للمتهم في المبحث الثالث، مع تقديم القواعد الدالة على وجودها.

وعليه، فإن فكرة المحاكمة العادلة كمفهوم قانوني، لها وثيق الصلة اليوم بمجالات حقوق الإنسان، عرفها النظام الجنائي الإسلامي نصا وواقعا وتطبيقا قبل أن يكتشفها المجتمع الإنساني وتقرها القوانين الوضعية، وقبل أن يتفق عليها المجتمع الدولي المعاصر ويعتمدها في وثائق ونصوص رسمية.وليس غريبا أن تعير شريعة الإسلام العناية اللازمة لكرامة المتهم وشخصيتة باعتباره إنسانا كرمه الله عز وجل وأنزل من أجله الأحكام الدالة على هذا التكريم .

 

المبحث الثاني

مصادر قواعد المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية

لعل السؤال يطرح ما هي مصادر قواعد المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي؟ وهل ما تم إقراره اليوم من ضمانات للمتهم في المواثيق الدولية جاء بطريقة عفوية وتلقائية أم كان نتيجة تضحيات ومطالبات؟. وما هو نطاق الحماية الإجرائية للمتهم في كل من النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية؟

لقد بات واضحا اليوم أن المجتمع الدولي المعاصر إذا كان قد وصل من مدة قصيرة إلى الاتفاق حول مواثيق دولية تقر جملة من الحقوق، كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من شهر ديسمبر 1948. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن نفس الجهة في السادس عشرة من شهر ديسمبر 1966.وأضحت هذه المواثيق تشكل من جهة مصدرا دوليا اعتمدت عليه الدول عند وضع دساتيرها، وفي صياغة قوانينها خاصة الجزائية منها. كما أنها تمثل من جهة أخرى رمزا للتطور، وعلامة من علامات التقدم والارتقاء، وعنوانا للوحدة القانونية بين مختلف أعضاء المجتمع الدولي المعاصر رغم الاختلاف في طبيعة النظام السياسي.غير أنه من الثابت والمؤكد أن الأنظمة الوضعية لم تصل إلى هذه المرحلة من الإجماع حول هذه الحقوق والحريات، إلا بعد انتهاكات وعدوان على حقوق الإنسان،حدث على مر أجيال متعاقبة، وبعد اصطدامات وإسالة دماء ومطالبات، من جمعيات واتحادات ومنظمات كثيرة. ولم يتم إقرار هذه الحقوق، إلا بعد أن تعرض الأفراد، وفي مناطق كثيرة من العالم إلى اعتداءات وتجاوزات، كانت محل كتابات مختلفة من قبل المهتمين بمجالات حقوق الإنسان، من فلاسفة ومفكرين وعلماء اجتماع ومهتمين بالدراسات السياسية والقانونية.

وحسبنا الإشارة أن بعض الدول الفاعلة اليوم في المجتمع الدولي المعاصر، ساهمت وحتى وقت قريب، وبشكل معلن وفاضح، في اغتصاب حقوق الغير ،وفي ارتكاب مجازر ضد المدنيين ، وفي فرض قيود شتى على الحريات العامة، بل ثبت تورطها في أكثر من إبادة جماعية وتفننت في تقديم أبشع صور العذاب والتقتيل .وصار مؤكدا اليوم، أن ما تم إقراره في المواثيق الدولية من حقوق وحريات، كان نتيجة تضحيات ومطالبات. ولم يتم بصفة عفوبة، بل عبر نضال طويل ومرير، شهدته البشرية في كثير من أنحاء العالم.

أما في الشريعية الإسلامية فلم تأت هذه الحقوق والحريات نتيجة ضغوط أو مطالبات أو مظاهرات أو إسالة دماء، وإنما شرعها المولى تبارك وتعالى. وفصلها النبي صلى الله عليه وسلم. وكتب بشأنها علماء هذه الأمة. وامتثل إليها الخلفاء والأمراء والولاة وقادة الجيوش والشرطة. وخضع إليها العامة. وطبقها القضاة على الدعاوى المعروضة عليهم اعتبارا من أنها قواعد الهية يلزم أيا كان باحترامها والامتثال إليها. وهكذا نبعت قواعد المحاكمة العادلة في النظام الجنائي الإسلامي من مكانة الإنسان ككائن بشري في ميزان القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وفي أقوال علماء الأمة الإسلامية. ومن منطلق هذه المكانة السامية والدرجة الرفيعة تعين التعامل معه بما يليق وهذه المرتبة.

ومن أرقى آيات تكريم المولى عز وجل للإنسان عامة قوله تعالى:" وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون" [4]. قال بن كثير يخبر تعالى بامتنانه على بني آدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل   إيجادهم. [5] ثم أتبع قوله مفسرا لذات الآية وقول الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها" ليس على وجه الاعتراض على الله وعلى وجه الحسد لبني آدم كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف على الحكمة في ذلك. [6] وقال القرطبي إنهم لما سمعوا –أي الملائكة- خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد لكن عمموا الحكم على المجتمع بالمعصية فبين الرب تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد وحقق ذلك بأن علم آدم الأسماء. [7] وقال الطبري خليفة في الأرض أي ساكنا وعامرا ويعمرها خلقا ليس منكم أي الملائكة. [8] وعليه فإن أول مظهر من مظاهر تكريم المولى تبارك وتعالى للإنسان، هو جعله خليفة في الأرض، وفي تعليمه الأسماء.وأنه سخر له عز وجل ما في الأرض لخدمة مصالحه.

ومن أسمى عبارات التكريم للإنسان الواردة في القرآن الكريم قوله تعالى:" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" [9]   ". " قال بن كثير :" يخبر تعالى عن تشريفه لبني آدم وتكريمه إياهم في خلقه لهم على أحسن الهيئات وأكملها كقوله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". أن يمشي قائما منتصبا على رجليه، ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع، ويأكل بفمه. جعل له سمعا وبصرا وفؤادا يفقه بذلك كله، وينتفع به، ويفرق بين الأشياء ، ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدينية والدنيوية". [10]

وأقرت الشريعة الإسلامية حرية التنقل تأكيدا لتفضيل الإنسان واعترافا منها بتكريمه، وهذا بغرض تمكينه من قضاء مصالحه وتحصيل رزقه. قال جل شأنه:" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور". [11]    قال بن كثير: " أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات". [12]   وقال الشوكاني:" جعل لكم الأرض ذلولا أي سهلة لينة تستقرون عليها ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها. [13]

وكهذا أقر القرآن الكريم للإنسان حرية التنقل في مناكب الأرض ونواحيها وأطرافها وفجاجها، بصرف النظر عن معتقده   أو وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي أو حالته الدينية. بل وأمره بعد أداء الصلاة بأن يسير في الأرض لتحصيل رزقه قال تعالى:" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله". [14]

وها هو المجتمع الدولي المعاصر وبعد قرون خلت من ظهور الإسلام يقر ذات الحرية بموجب المادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان [15] والتي جاء فيها: "لكل فرد حرية التنقل...".وتم تأكيد هذه الحرية بموجب المادة الثانية عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي ورد فيها :" يكون لكل إنسان موجود داخل إقليم أية دولة بصورة قانونية حق التمتع فيه بحرية التنقل وحرية اختيار مكان إقامته".

كما فرضت الشريعة الإسلامية احترام الحياة الخاصة وحرمة المساكن قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون." [16] فمن حق الإنسان أن   ينعم بحرمة مسكنه، وألا يتعرض لأي مضايقة ،وأن يكشف أسرار بيته للغير. قال تعالى:" فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم." [17]

فأي مقام هذا لحرمة المسكن في شريعتنا الغراء. فقد نهى الله عن دخول منازل الغير حتى يستأذن من أصحابها أولا ويشعر الداخل بالترحاب . وأمرنا بالرجوع إذا لم تسمح ظروف صاحب المسكن بالاستقبال. وحث تبارك وتعالى على عدم اقتحام البيوت وتسورها. واوجب دخولها من أبوابها وبإذن أصحابها قال عز وجل:" وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون" [18] .

وإهتدت البشرية إلى إقرار هذا الحق في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب المادة الثانية عشرة بقولها: " لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه...." وورد التأكيد على هذا الحق في المادة السابعة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إذ جاء فيها" لا يجوز إجراء أي تعرض تحكمي لا قانوني لأي إنسان في حياته الخاصة أو أسرته أو منزله...".

وكفلت قواعد الشريعة الإسلامية مبدأ المساواة قال تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير." [19] ونجم عن تطبيق هذا النص زوال كل أشكال التمييز التي عرفها المجتمع الإنساني قبل ظهور شريعة الإسلام، كالتمييز بين المرأة والرجل، والسيد والعبد، والوطني و الأجنبي. وها هي الشريعة الإسلامية تجسد أرقى صور المساواة بين أفراد ينتمون لمجتمعات مختلفة ولأصول عرقية متباينة. فساوت بين أبي بكر القرشي وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي. في حين عرفت الحضارة اليونانية أشكالا مختلفة للتمييز بين الأفراد وكذلك الحضارة الرومانية وحضارات أخرى كثيرة. [20].

وتأكد مبدأ المساواة في المواثيق الدولية نظرا لأهميته فتم تثبيته في المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فجاء فيها:" كل الناس سواسية أمام القانون". كما تكرس في المادة الثالثة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بقولها:" تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بتأمين حق الرجل والمرأة المتساوي في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية".

وطالما كان مصدر قواعد حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد بات من واجب كل مؤمن بكتاب الله الخضوع لهذه القواعد والامتثال لهذه الأحكام باعتبارها واجبا دينيا ينجم عن مخالفته جزاء أخروي فضلا عن الجزاء في الدنيا. لذلك ذهب البعض إلى القول أن أساس حقوق الإنسان في الإسلام هي العقيدة. [21]

فحين يحترم الخليفة حقوق الرعية كحق الملكية، وحرية التنقل ،وحرمة المسكن، وسائر الحقوق الأخرى المدنية والسياسية، فإنما يكون بعمله هذا قد امتثل إلى واجب ديني وطبق قاعدة شرعية. وحين يتصدى القاضي لكل معتد على الحقوق المقررة والثابتة بموجب نصوص شرعية، ويوقع الجزاء اللازم والعادل على كل متجاوز أو منتهك لها، فإنما يكون بذلك قد امتثل هو الآخر لالتزام ديني. فكأنما كل مسؤول في الدولة الإسلامية أيا كانت وظيفته مطالب بتطبيق النصوص الشرعية التي تكفل الحماية اللازمة لحقوق الإنسان.

ومن المؤكد أن الحكم متى كان له الطابع الديني، وصدر عن إرادة المولى عز وجل، كان أشد وقعا وأثرا على نفسية وضمير المعني بالامتثال إليه، أو المعني بتطبيقه، سواء كان خليفة، أو واليا، أو قائد جيش، أو قائد   شرطة وغيرهم. ومتى كان للقاعدة الدينية هذا النفوذ المعنوي، فإنه لا خوف من حيث الأصل على دائرة حقوق الإنسان في النظام الإسلامي، طالما التصقت بالجانب الديني بما ينبغي معه تطبيقها واحترامها، استجابة لإرادة الله وامتثالا لشرعه.

ومن منطلق أن الشريعة الإسلامية لم تأت على حد قول الأستاذ عبد القادر عوده:" ...لجماعة دون جماعة، أو لقوم دون قوم، أو لدولة دون دولة، وإنما جاءت للناس كافة من عرب وعجم، شرقيين وغربيين على اختلاف مشاربهم وتباين عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم. فهي شريعة كل أسرة وشريعة كل قبيلة وشريعة كل جماعة، وشريعة كل دولة، هي الشريعة العالمية" [22] . فإنه ينجم عن ذلك القول، أن حقوق الإنسان بالتبعية في الشريعة الإسلامية صار لها الطابع العالمي، بحكم عالمية الدين الإسلامي، كونه الدين الذي ارتضاه المولى عز وجل للبشرية جمعاء، وهو صالح لأن يحكم سلوك الأفراد والهيئات في زمن السلم والحرب، وأن أحكامه صيغت بحيث لا يؤثر فيها مرور الزمن أو تعاقب الأجيال. ومن خصائص الشريعة أنها كل متحد مترابط متناسق [23] .

وأن أحكامها مرنة تساير مصالح الناس وتطورهم. [24]

وجدير بالإشارة أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسائر المواثيق المتفرعة عنه تواجه اليوم عقبات كثيرة أيديولوجية وحضارية وتقنية. فكثيرة هي الدول التي تحفظت على الإعلان العالمي ولم تبد بشأنه موقفا رسميا. ودول كثيرة أيضا لم يصدر عنها الموقف الرسمي بشأن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى درجة أن بعض الباحثين بدأ يثير إشكالية خصوصية الإعلان العالمي وليس عالميته [25]. كما أن منظمة اليونسكو ومن خلال مائدة مستديرة نظمت في أكسفورد من 11 إلى 19 نوفمبر 1965 أكدت تأثر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالتقاليد الغربية خاصة المتبعة في أوروبا والولايات المتحدة [26] .

وإذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسائر المواثيق الدولية الأخرى المتفرعة عنه قد كرست للفرد جملة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فقد كان لنظامنا الإسلامي السبق كل السبق في إقرار هذه الحقوق والحريات.

فحين نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الحضارات القديمة وكذلك الحضارات الملازمة لظهور التشريع الإسلامي غارقة في التمييز بين بني البشر . فميزت بين العبيد والأسياد، والوطنيين والأجانب،وذوي النفوذ والأشخاص العاديين والرجال والنساء .وكانت هذه الحضارات كلها تبدي كراهية للفرد الذي لا ينتمي إلى الجماعة وتعتبره معزولا عنها .ولم تمكنه حتى من حقه في المطالبة القضائية. [27] .. إلى أن جاء الإسلام فقضى على كل مظاهر التمييز وساوى بين البشر جميعا.

من أجل ذلك ذهب مؤتمر القانون المقارن الذي عقد بمدينة لاهاي سنة 1937 إلى اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع العام. وأنها قابلة للتطور وشرع قائم بذاته وليس مأخوذا عن غيره [28].وأيا كانت جهود البشر في وضع قواعد ومواثيق دولية تجسد ضمانات المحاكمة العادلة، فإنها تظل من حيث مصدرها قواعد بشرية يمكن أن يلحقها النقص في جانب أو آخر. أو يمكن أن يقع الاختلاف بشأنها بين أعضاء المجتمع الدولي وهذا ما حدث فعلا.

ففي فرنسا استقر المجلس الدستوري على تحديد معيار واسع للمحاكمة العادلة لا يقتصر فقط على القواعد الدستورية، بل يمتد حتى لديباجة الدستور. فإذا تضمنت ديباجة الدستور مسائل تتعلق بالحرية الشخصية وجب أخذها بعين الاعتبار، وفي المقام الأول .ولا يجوز لتشريع قائم أن يخالفها.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد ثار الجدل أمام المحكمة الاتحادية العليا بصدد مفهوم شرط الوسائل القانونية في المحاكمة العادلة. وانحصر الجدل بالتحديد حول ما إذا كان الدستور يتضمن جميع ضمانات حقوق الإنسان، أم يقتصر على جانب منها فقط. وحسمت المحكمة العليا الأمريكية الأمر معتنقة معيار إدماج معظم الحقوق الواردة في الإعلان الأمريكي لحقوق الإنسان في نطاق الحماية الدستورية [29] ..

و في مصر استقر قضاء المحكمة الدستورية العليا أن مدلول المحاكمة العادلة ينصرف إلى مجموعة الضمانات الأساسية التي تكفل بتكاملها مفهوما للعدالة، يتفق بوجه عام مع المقاييس المعاصرة، وما يصون كرامة الإنسان ويراعي حريته الشخصية، بما يوجب ذلك من إحالته أمام محكمة مشكلة طبقا للقانون ويتبع أمامها إجراءات محددة. [30]

وبتقديرنا الخاص فإن معيار المحاكمة العادلة يقتضي تعددية القواعد القانونية، من قواعد واردة في الدستور، وقواعد أخرى كثيرة ومتنوعة. فالقاعدة الدستورية عادة تكشف عن الأصول والأحكام العامة، فتضمن حق الدفاع مثلا، وتؤسس لقرينة البراءة، وتعترف للقضاء باستقلاله، وتلزمه بتسبيب أحكامه وبعلانية الجلسات   وتكرس مبدأ المساواة أمام القانون وتكفل حق الطعن في الأحكام وغيرها من االضمانات. وتأتي قواعد القانون مؤكدة ومجسدة لها كقانون الإجراءات الجزائية، أو قانون السلطة القضائية، أو قانون المحاماة وهكذا.

 إن مفهوم   الحق في المحاكمة العادلة وما يتسم به من حساسية وتعقيد يفرض إحاطة المتهم بكل الضمانات اللازمة لتمكينه من ممارسة هذا الحق. وهذا المفهوم بدوره يفرض تعددية في القواعد. فلا يمكن لمنظومة دستورية لوحدها، أو منظومة قانونية لوحدها ،أن تكرس كل ضمانات المحاكمة العادلة. بل إن قواعد المحاكمة العادلة لها سند ومصدر خارجي تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفصله العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتكرس في اتفاقيات إقليمية كثيرة أمريكية وأوروبية وافريقية وعربية.

وبناءا على ذلك إذا وقع التصديق على هذا العهد الدولي أو الاتفاقية من قبل الجهات المخولة داخل الدولة ألزمت السلطات المعنية وعلى رأسها القضاء بتطبيق جملة الضمانات المكرسة في هذه المواثيق الدولية. وبالنتيجة فإن فكرة المحاكمة العادلة لها مدلول واسع ، ولها مصادر داخلية وأخرى خارجية. وعلى ذلك كان معيارها هو كل ما يضمن احترام الحرية الشخصية للمتهم وما يراعي كرامته وكيانه بما يوجب ذلك من تمكينه من سائر الحقوق الفرعية الناتجة عن الحق العام في المحاكمة العادلة .

 

المبحث الثالث

ضمانات المحاكمة العادلة

في النظام الجنائي الإسلامي والمواثيق الدولية

ينبغي الجزم والتأكيد في البداية أن فكرة المحاكمة العادلة تظل أحرفا ميتة وشعارا لا معنى له، إذا لم تجسد في أرض الواقع من خلال مجموعة ضمانات أهمها:

استقلال القضاء. وعلانية الجلسات.والمساواة أمام القضاء، وقرينة البراءة، وسرعة الفصل في الدعوى، وشفوية المرافعة وحق الدفاع. وتسبيب الأحكام . وحق الطعن. وهو ما سنفصله في المطالب الآتية:

 

المطلب الأول

استقلال القضاء

إذا كانت الحقوق تحفظ بالقضاء، والحريات تصان بالقضاء، والعدل يتحقق بالقضاء، وعمارة المجتمع تكون بالقضاء [31]   واستقرار الأوضاع والمعاملات يكون بالقضاء، فينبغي بالمقابل أن يكون للقضاء مظهر يناسب عظمة رسالته هو مظهر الاستقلال.

ويقصد باستقلال القضاء: " ألا يخضع القضاة في ممارستهم لعملهم لسلطات أي جهة أخرى وأن يكون عملهم خالصا لا قرار الحق والعدل خاضعا لما يمليه الشرع والضمير دون أي اعتبار آخر. [32]ويقتضي مبدأ الاستقلال الإحالة دون تدخل أي جهة مهما كانت طبيعتها في أعمال القضاء لتوجيهه وجهة معينة، أو لتعرقل مسيرته، أو لتعترض عن أحكامه. كما تقتضي أن يحاط القضاة بسياج من الضمانات ما يقيهم كل تجاوز   أو اعتداء من شأنه أن يخدش المبدأ المذكور ويعدم آثاره.

وبات واضحا اليوم أنه دون وجود قضاء مستقل لن تكون هناك جدوى من إعلان لحقوق الإنسان وحرياته. ولا جدوى عن الحديث عن مبدأ المساواة أمام القانون، أو حتى عن كفالة حق الدفاع. [33] إذ ما الفائدة أن تعترف القوانين للأفراد بمجموعة حقوق مدنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وغيرها، إذا لم يكفل للقضاء هيبته ومكانته واستقلاله.وهو الجهاز المكلف بحماية هذه الحقوق جميعا.

ولقد احتل القضاء في نظامنا الإسلامي مكانة لم يرق إليها في ظل الأنظمة الوضعية المعاصرة. فهذا الإمام علاء الدين الطرابلسي يصف القضاء فيقول " إنه من أجل العلوم قدرا وأعزها وأشرفها ذكرا. [34] وهذا النباهي يقول:"...تلك خطة الأنبياء ومن بعدهم فلا شرف في الدنيا بعد الخلافة من القضاء..". [35]

وانطلاقا من هذه المكانة حرصت الشريعة الإسلامية على منح القاضي من وسائل الاستقلال بما يمكنه من القيام بدوره، وبما يحقق هدف   المحاكمة العادلة. قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين ولاه قضاء اليمن: بم تقضي يا معاذ؟ قال: بكتاب الله. قال : فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسوله. قال: فإن لم تجد. قال: أجتهد رأيي ولا الو. قال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى الله ورسوله. [36] وعن عائشة رضي الله عنها أن قوما أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت. فقالوا: من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة فقال:أتشفع في حد من حدود الله. ثم قام فخاطب فقال: أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. [37]

وهكذا حمل الحديث الأول أرقى قواعد استقلال القاضي وخضوعه فقط للنص .ومنع الحديث الثاني كل تدخل في شؤون القاضي والقضاء من أي كان صونا لاستقلاله.وهو ما يجسد أهم ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة في النظام الإسلامي.

و دأب الخلفاء ومن بعدهم على معاملة قضاتهم انطلاقا من هذا المبدأ. فهذا الخليفة عمر يكتب لقاضيه شريح:"...ما في كتاب الله وقضاء النبي فاقض به. فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يقض به النبي فما قضى به أئمة العدل فأنت بالخيار إن شئت أن تجتهد رأيك أو أن تؤامرني ولا أرى في مؤامرتك أياي إلا أسلم لك." [38]

كما عهد الخليفة عمر رضي الله عنه القضاء لزيد بن ثابت فلقي رجلا فقال له: ما صنعت بخصومتك؟ قال قضى علي وزيد بكذا. قال عمر: لو كنت أنا لقضيت بكذا. قال الرجل: وما يمنعك والأمر إليك؟ قال عمر: لو كنت أردك إلى نص في كتاب الله أو في سنة رسوله لفعلت ولكن أردك إلى اجتهاد والرأي مشترك ولم ينقض ما حكم به زيد وعلي. [39]

من أجل ذلك جاء في طبقات الفقهاء "من سره أن يأخذ بالوثيقة بالقضايا فليأخذ بقضاء عمر فإنه يستشير " [40].ولم يحد الخليفة عثمان عن منهج الفاروق إذ يروى عنه أنه إذا جاء ه الخصمان قال لهذا اذهب فادع عليا، وللآخر فادع طلحة بن عبيد الله الزبير وعبد الرحمان فجاءوا فجلسوا فقال لهما تكلما ثم يقبل عليهم فيقول أشيروا علي. [41]

وهذا علي رضي الله عنه أرسل كتابا لواليه الأشتر النخعي وأوصاه بالاهتمام بأمر القضاة بغرض تمكينهم من أداء مهامهم قال له فيه:" ...وأفسح له في البذل ما يزيل علته وتقل حاجته إلى الناس وأعطه من المنزلة ما لا يطمع فيه غيرك من خاصتك..." [42] قال بن فرحون :" وينبغي للإمام أن يتفقد أحوال قضاته فإنهم قوام أمره ورأس سلطانه..." [43] وتمكينا للقضاة من استقلالهم خاصة بالنسبة للجهة القائمة بالتعيين ذهب الشافعية والمالكية والحنابلة في رواية إلى عدم قابلية القاضي للعزل مع سداد حاله وإذا لم يكن في عزله تحقيق مصلحة أو درء مفسدة وذلك لتعلق حق الأمة به [44] . وتحقيقا لذات الغرض تم إنشاء منصب قاضي القضاة في العصر العباسي الأول وكانت وظيفته الأساسية تعيين القضاة وعزلهم ومحاكمة الوزراء   والأشخاص الذين يهددون الحكم. [45]

ولما كان النظام القضائي الإسلامي قد كفل للقاضي استقلاله ومكانته وهيبته، ومنع التدخل في شؤون القضاة من أي جهة كانت، فإنه وفر بذلك أحد أهم ضمانات المحاكمة العادلة بما يبعث الاطمئنان سواء بالنسبة للمتهم أو الضحية، وبما يحفظ الحقوق ويصون الحريات العامة.

وبالعودة إلى المواثيق الدولية نجد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أدرك أهمية مبدأ استقلال القضاء باعتباره ركيزة أساسية يراد به ضمان محاكمة عادلة. لذلك نصت المادة العاشرة منه على أن " لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضية أمام محكمة مستقلة...". وتأكد ذات المبدأ بموجب المادة الرابعة عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبات اليوم مبدأ استقلال القضاء أحد أهم المقاييس لمدى تحرر النظم القضائية بهدف القيام بدورها الدستوري، وأنه كفيل بتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وحماية الضعفاء من جور الأقوياء [46] .

أدركت النظم الوضعية أن الضمان الأول للمحاكمة العادلة ألا تصدر الأحكام عن مؤسسات سياسية ،بل بواسطة محاكم مختصة مستقلة مشكلة وفقا للقانون. فاستقلال المحكمة ركن جوهري ولازم لعدالة المحاكمة. [47] وهو الأمر الذي انتهى إليه المؤتمر العالمي لمنع الجريمة الذي عقد في ميلانو إيطاليا بين 26 أغسطس إلى 6 أيلول 1985، وأعتمدت نتائجه بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1985 . ونصت هذه التوصيات على ضرورة أن تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية، وينص عليه دستور البلد وقوانينه، ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها احترام ومراعاة استقلال القضاء.

المطلب الثاني

علانية الجلسات

لم يكتف النظام الجنائي الإسلامي بالاعتراف للقضاء باستقلاله لضمان محاكمة عادلة، بل أوجب أن تكون جلسات القضاء مفتوحة أمام الجميع فيحضرها الخصوم وغيرهم. ويشهد الحضور فصول المرافعة ويسمعوا أقوال الأطراف وتدخل القاضي وتوضيحات الشهود وأدلة الاثبات. وهو ما من شأنه أن يضفي على العمل القضائي شفافية ووضوحا، مما يزيد في درجة ثقة المتقاضين في جهاز القضاء . [48] وكما قال الدكتور رؤوف عبيد أن حضور الجمهور يجعل منه رقيبا على عدالة إجراءات المحكمة . [49]ولأن سرية الجلسات لا تخلف إلا   الشك وتجعل القاضي في موقف الشبهة ودائرة الاتهام. وهو ما من شأنه أن يدفع الجمهور لأن يسحب ثقته من القضاة والهيئة القضائية.

إن المحاكمة العادلة لا تتجسد في أرض الواقع إلا إذا كانت جلسات القضاء مفتوحة أمام الجميع، ليمارس هؤلاء   رقابة شعبية على القاضي تدفعه أكثر على تطبيق القانون ،ومراعاة حقوق الخصوم والمساواة بينهم.

وها هو النظام الإسلامي يقر مبدأ الجلسة العلنية، قال بن قدامة: " القضاء في المسجد أمر الناس القديم وبه قال مالك وإسحاق وابن المنذر. وقال الشافعي: "يكره ذلك لما روي أن عمر كتب إلى القاسم بن عبد الله أن لا يقضي في المسجد لأنه تأتيك الحائض والجنب. وقال الإمام مالك أن القضاء قربة وطاعة وإنصاف بين الناس فلم يكره في المسجد. وكان صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد مع حاجة الناس في الفتيا والحكومة". [50] ومن أروع ما قرأنا في مجال تبسيط الإجراءات وتقريب القضاء من المتقاضين ما ذكره فقهاء هذه الأمة من وجوب جلوس القاضي في مكان يتوسط البلد. قال بن قدامة: "وينبغي أن يكون جلوسه في وسط البلد لئلا يبعد على قاضيه". [51]

جاء في حاشية الخرشي: " يجب أن يكون موضع القضاء في وسط البلد في بناء واسع للجلوس فيه وأن يكون في الصيف هويا فسيحا وفي الشتاء كنا كنينا. وقال أيضا حتى لا يحرج القاضي مع البروز إلى الاستئذان عليه." [52]

ولم نجد حكما شبيها مماثلا في الأنظمة الوضعية يوجب تأسيس مجالس القضاء في أمكنة محددة. وهكذا تميز نظامنا الإسلامي في هذه النقطة حتى لا يبعث مشقة في نفوس المتقاضين في معرفة دور القضاء والتوجه إليها.

ومن أرقى قواعد حقوق الإنسان، وحقوق المتهم بالدرجة الأولى، وقواعد المحاكمة العادلة ،ما أقره الفقهاء من وجوب نظر القاضي أولا في قضايا المحبوسين فيقدم هؤلاء على غيرهم. وبرر الفقهاء ذلك بالقول أن الحبس عذاب وربما كان من بين المحبوسين من لا يستحق البقاء فيه فيفرج عنه القاضي. [53] وها هو نظامنا الإسلامي يقر قواعد الإعلام والتبليغ في مجال شؤون القضاء فيخرج مناديا ينادي في البلد ثلاثة أيام أن القاضي فلان بن فلان ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر [54] .وهذا ما يؤكد ضمانه علانية الجلسة.

ومن باب التيسير على القضاة والمتقاضين أيضا أجاز الفقهاء لولي الأمر أن يعين في المكان الواحد أكثر من قاض فيعهد لكل قاض نوعا معينا من القضاء، كقاضي الأسرة، وقاضي المياه وما أشبه ذلك . [55] وبهذا يكون النظام الإسلامي سباقا في إقرار نظام تخصص القضاة. وصدق العلامة بن قيم الجوزية عندما كتب :" لا نقول أن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة ، بل هي جزء من أجزائها وباب من أبوابها..." [56] .

 ومن المبادئ التي أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لضمان محاكمة عادلة مبدأ علانية الجلسات . إذ جاء في المادة العاشرة منه''لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا''. وهو ما أكده العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكرسته مختلف الدساتير.   ولقد أجاز العهد الدولي للحقوق   المدنية والسياسية في نص مادته الرابعة عشرة أن تكون جلسات القضاء سرية أو مغلقة   لدواعي الآداب العامة أو النظام العام أو الأمن العام. و ثبت ذلك في مختلف قوانين الإجراءات الجزائية.

 

المطلب الثالث

المساواة بين الخصوم

يقصد بالمساواة لغة السواء والعدل يقال ساوى الشيء إذا عدل وساويت بين الشيئين إذا عدلت [57] . وقد احتل مبدأ المساواة في الشريعة الإسلامية مكانة متميزة قال تعالى:" إن الله يأمركم   أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". [58] قال أهل التفسير   نزلت هذه الآية في ولاة الأمر. وقال علي على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة وإذا فعل ذلك حق على الناس أن يسمعوا ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا [59] . وكثيرة هي الآيات التي حثت على العدل في القضاء قال تعالى:" ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون." [60]  ولنا في قصة سيدنا داود عليه السلام والواردة في سورة (ص) خير عبرة   بالنسبة لمبدأ المساواة بين الخصوم وفي سماع أقول كل من المدعي والمدعى عليه وعدم الاكتفاء بسماع طرف دون آخر. فالقاضي داود عليه السلام فصل في خصومة بإدعاء واحد وأدرك خطأه وخر ساجدا لربه مستغفرا.

ولقد سبق لنا ذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم برواية عائشة رضي عنها بخصوص حادثة المرأة المخزمية حينما قال:" إنما ظل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها." [61] وبالعودة لسيرة الخلفاء وأخبار القضاة خاصة في صدر الإسلام نجد أن هؤلاء قدموا أروع الأمثلة في تجسيد مبدأ المساواة بين الخصوم كأول خطوة من خطوات المحاكمة العادلة. ذلك أن القاضي إن ميز بين الخصوم في ساحة القضاء فقد عدالته وحياده. ولا غرابة في ذلك فها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي قاضيه عليا:" يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنك إن فعلت ذلك تبين لك القضاء [62]. وقال أيضا: "إذا أبتلي أحدكم بقضاء فليتق الله في مجلسه وفي إشارته" [63].وهذا الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي قاضيه فيقول: "... آس بين الناس في مجلسك ووجهك وقضاءك حتى لا يطمع شريف في حيفك وييأس ضعيف مـن عدلك." [64] ويلزم القاضي بأن يساوي بين الخصوم أيا كانت الحالة الدينية جاء في سراج السالك" والإصغاء لقول كل منهما ولو يكونا كافرا أو مسلما. [65]

   وفصل فقهاء الشريعة في أدب القاضي بشكل يتناسب وأهميتها خاصة أدب المساواة بين الخصوم. فهذا القاضي أبو يوسف صاحب الخراج ينصح القضاة فيقول:" على القاضي أولا أن يسألهما أيكما المدعي وهذا أرفق بالناس لأن الخصوم قد تلحقهم مهابة المجلس فيعجزون عن النطق والدفاع عن أنفسهم" [66] . وقال بن فرحون في التبصرة:" إذا حضر الخصمان بين يديه فليسو بينهما في النظر إليهما والتكلم معهما ما لم يتعد أحدهما فلا بأس أن يسوي نظره إليه ويرفع صوته عليه لما صدر منه من

اللدد ونحو ذلك. ويخضهما عند ابتداء المحاكمة على التؤدة والوقار ويسكن جاش المضطرب منهما ويؤمن روع الخائف والمحصر في الكلام حتى يذهب عنه ذلك. وليقعدهما بين يديه ضعيفين كانا أو قويين. ولا يقرب   أحدهما إليه، ولا يقبل عليه دون خصمه، ولا يميل إلى أحدهما بالسلام فيخصه به، ولا بالترحيب، ولا يسأل أحدهما حاله ولا خبره ،ولا عن شيء من أمورهما في مجلسهما ولا يساررهما جميعا ولا أحدهما..." [67] . كهذا نظر أسلاف هذه الأمة   للقضاء والقضاة، وهكذا جسد قضاتها مبدأ المساواة أحسن تجسيد خوفا من عقاب الله عز وجل . ولا شك أن حضور العلماء مجلس القضاء لمشاورتهم، فيه حث للقاضي على تحري العدل بين الخصوم وإحقاق الحق. فإن حاد عن هذا السلوك نبهه العلماء وأشاروا عليه. [68]  

واحتل مبدأ المساواة بشكل عام أهمية خاصة لدى الفلاسفة وعلماء الاجتماع وفقهاء القانون. وأولته المواثيق الدولية والنصوص الدستورية والقواعد القانونية المكانة اللائقة به . حيث جاء في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :" ...يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق". [69] وتكرس مبدأ المساواة في المادة العاشرة من نفس الإعلان والتي أقرت وبصريح العبارة أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة في أن تنظر قضيته أمام   محكمة ...وتأكد المبدأ في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بموجب المادة الثانية والثالثة والمادة الرابعة عشرة منه. وأشارت إليه دساتير عربية كثيرة [70]  

 ولا مراء في أن نجاح القاضي في المساواة بين الخصوم أثناء النظر في الدعوى يشكل خطوة أولى وأساسية في نجاحه في مهمته بتوفير العدالة للباحثين عنها بصرف النظر عن جنسيتهم أو أصلهم أو سنهم أو جنسهم أو وضعهم المالي والاجتماعي. وأضحى مبدأ المساواة اليوم يمثل ضمانه أساسية من ضمانات المحاكمة العادلة. ولا يجوز بالاعتماد عليه أن تعير الدولة تمييزا بين رعاياها أمام القضاء، أو أن تميز بين الوطنيين والأجانب.كما أن مبدأ المساواة أمام القضاء يتنافى من حيث الأصل مع تخصيص هيئة لتفصل في منازعات تخص فئة اجتماعية معينة دون أخرى. بل ينبغي أن تكون سلطة القضاء واحدة يقف أمامها الجميع، وبذات الإجراءات، وبنفس فرص الدفاع، ودون مراعاة لأي عامل من العوامل التي يختل بها ميزان العدل، ويخرق بها مبدأ المساواة .

وعليه وتطبيقا لهذا المبدأ تعين على كل ذي صفة سياسية أو إدارية أن يتجرد من صفته وهو واقف أمام القضاء. وأن لا يستعمل صفته هذه للتأثير على القاضي. لأن هيئة الحكم تتعامل مع أطراف النزاع باعتبارهم خصوما في منازعة معينة، دون أن تنظر لاعتبار آخر كون أن لأحد أطراف النزاع مركزا إداريا ساميا أو أنه يتمتع بوزن سياسي معين.

وإذا كان مبدأ المساواة أمام القانون بشكل عام مكرس في مواثيق دولية ونصوص دستورية وقانونية كثيرة، فإن هذا المبدأ يظل مجرد شعار وأحرف ميتة إذا لم يتوج بضمانات من شأنها أن تجسده في أرض الواقع. وهذه الضمانات هي:

1-تأكيد وحدة القضاء:

إن مبدأ المساواة أمام القضاء يفرض أول ما يفرض وضع تنظيم موحد لكافة الهيئات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها. فلا يعقل أن تختلف الإجراءات بخصوص رفع الدعاوى مثلا، أو آجال الطعن، من هيئة قضائية إلى هيئة قضائية أخرى من نفس الجنس والدرجة. أو أن   يراعي الخصوم بامتياز إجرائي معين في منطقة دون أخرى، وأن تسدد رسوم القضاء بشكل في منطقة بما يخالف باقي المناطق داخل الدولة.لأن هذا الاختلاف يتعارض مع مبدأ المساواة أمام القضاء الذي يفرض أن تكون جهة القضاء واحدة لتتولى الفصل في الخصومات المعروضة عليها بإجراءات واحدة تحكم جميع الهيئات القضائية من نفس الدرجة والنوع. ذلك أنه من غير المتصور أن تختلف الأحكام الإجرائية من محكمة ابتدائية إلى أخرى في نفس الدولة، أو من هيئة استئناف إلى أخرى.

ولا تتنافى وحدة القضاء هذه ووحدة الإجراءات، مع تخصيص قضاء إداري يتولى فقط النظر في النزاعات الإدارية دون غيرها. لما يتميز به هذا النوع من القضاء من خصوصيات معينة. فتعمد الدولة إلى تطبيق نظام ازدواجية القضاء بما ينجم عنه من أثر قانوني على مستوى الهياكل أو على مستوى الإجراءات.

 

2-تأكيد استقلال القضاء على جميع السلطات:

سبق البيان والتأكيد أن طبيعة العمل القضائي تفرض أن يكون جهاز القضاء مستقلا عن كل السلطات حتى لا يتأثر القاضي بأي مؤثر كان وهو يفصل في المنازعات المعروضة عليه. ومبدأ الاستقلال كما رأينا ثابت مكرس بنصوص ومواثيق دولية ونصوص دستورية.



[1] الدكتور مأمون سلامة، قانون الإجراءات الجنائية معلقا عليه بالفقه وأحكام النقض،الطبعة الثانية، دار الفكر العربي،القاهرة،2005،ص7

 

[2] الدكتور أحمد فتحي سرور، الشرعية الدستورية وحقوق الإنسان في الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993،ص 3

[3] الدكتور أحمد  فتحي سرور، المرجع نفسه،ص 185.

[4] سورة البقرة الآية 30

[5] ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، الجزء الأول، دار الفكر ، بيروت ، 2005،ص 71.

[6] المرجع نفسه،ص 72

[7] القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن، المجلد الأول ، دار الكتب العلمية، بيروت ، 1996،ص 189

[8] ابن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الجزء الأول، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1995،ص 288.

[9] سورة الإسراء الآية 70

[10] ابن كثير، الجزء الثالث، ص 1102.

[11] سورة الملك الآية 15.

[12] ابن كثير، الجزء الرابع،ص 1923.

[13] محمد الشوكاني، فتح القدير، الجزء الخامس، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان، 1994،ص 325.

[14] سورة الجمعة الآية 10.

[15] أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأغلبية 48 دولة، وامتناع 8 دول ولم يكن هناك أي دولة معترضة عليه.

الدكتور أحمد أبو الوفا، الحماية الدولية لحقوق الإنسان ،الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000،ص 25.

[16] سورة النور الآية 27.

[17] سورة النور الآية 28.

[18] سورة البقرة الآية 189.

[19] سورة الحجرات الآية 12.

[20] علي محمد صالح الدباس، علي عليان محمد   أبو زيد، حقوق الإنسان وحرياته، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2005،ص.33.

[21] الدكتور السيد عبد الحميد فوده، حقوق الإنسان بين النظم القانونية والشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة،2003،ص 15.

[22] عبد القادر عوده، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، الجزء الأول، الطبعة السادسة، مؤسسة الرسالة، بيروت ، 1985،ص 16.

[23] الدكتور محمد عبد الغفار الشريف، التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية، مجلة الحقوق، مجلس النشر الجامعي، جامعة الكويت، السنة التاسعة عشر العدد الثاني، يونيو، 1995،ص 281.

[24] ) الدكتور عبد الخالق النواوي، التشريع الجنائي في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ، منشورات المكتبة العصرية، بيروت 1973،ص 20.

[25] الدكتور قادري عبد العزيز، حقوق الإنسان في القانون الدولي والعلاقات الدولية، دار هومة، الجزائر،2002،ص 43.

    وأيضا: Pierre Marie Dupuy, Droit International Dalloz, Paris, 1998,P204

[26] الدكتور قادري عبد العزيز،المرجع نفسه، ص 44.

[27] الدكتور عبد المجيد محمد الحفناوي، الدكتور عكاشة محمد عبد العال، تاريخ النظم القانونية والقانون الروماني، الدار الجامعية، القاهرة،1991،ص 162.وأيضا على محمد صالح الدباس وعلى عليان محمد أبو زيد، المرجع السابق،ص 34

[28] ) المستشار محمد عارف مصطفى فهمي، الحدود والقصاص بين الشريعة والقانون، الطبعة الثانية، مكتبة الأنجلومصرية، القاهرة،1979،ص2

[29] الدكتور محمد محمد مصباح القاضي، الحق في المحاكمة العادلة ، دار النهضة العربية، القاهرة،2008،ص 55-56

[30] الدكتور محمد محمد مصباح القاضي، المرجع السابق ص 57 .

[31] قال بن خلدون:" الظلم مؤذن بالخراب....وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب.

     عبد الرحمان بن خلدون، مقدمة بن خلدون، دار الجيل، بيروت، دون سنة،ص 316.

[32] الدكتور محمد شلال حبيب، ضمانات استقلال القضاء في التشريع الجزائري والمقارن، مجلة العلوم القانونية، كلية الحقوق، جامعة عنابة، الجزائر،العدد الأول، 1982،ص 42.

    الدكتور عبد الرحمان عياد، أصول علم القضاء، مطابع معهد الإدارة العامة الرياض، المملكة العربية السعودية، 1981،ص 81.

Francois Gerber justice independante justice sur commande presses universitaires de France paris 1990 p37  

[33] الدكتور محمد عصفور، استقلال القضاء، مطبوعات نادي القضاة المصري، القاهرة، دون سنة،ص 49.

     الدكتور أحمد رفعت الخفاجي، قيم وتقاليد السلطة القضائية، المحاماة المصرية، العددان الأول والثاني، السنة الثالثة والستون ، يناير فبراير     

     1983، ص31.يس عمر يوسف، استقلال السلطة القضائية في النظامين الوضعي والإسلامي ،رسالة دكتوراه ،حقوق عين شمس ،1984، ص32 وما بعدها. الدكتور عمار بوضياف، معالم استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد الثلاثون السنة الثامنة، الرياض، المملكة العربية السعودية، أيلول، 1996،ص 128

[34] الدكتور جمال العطيفي، دراسات في استقلال القضاء في الشريعتين الإسلامية والانجليزية، مجلة المحاماة المصرية، العدد الثاني، السنة الخمسون، فبراير 1970،ص 80.

[35] أبو الحسن عبد الله بن الحسن النباهي، تاريخ قضاة الأندلس، دار الكتب، القاهرة، دون سنة، ص 3.

[36] الإمام الشافعي،الأم، الجزء السادس، دار المعرفة، بيروت، دون سنة،ص 200.

[37] ) الإمام محي الدين النووي، صحيح مسلم، باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود، دار المعرفة، بيروت، الجزء

      الحادي عشر، دون سنة ،ص 187

[38] ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي السلطة القضائية، دار النفائس، بيروت ،1978،ص 187.

[39] الشيخ محمد الخضري تاريخ التشريع الإسلامي، الطبعة السابعة، دار الفكر، دون إشارة لبلد الطبع،1981،ص116. وأشار لهذه الحادثة الشيخ عيد الوهاب خلاف، السلطات الثلاث في الإسلام، مجلة القانون والاقتصاد، السنة السادسة، العدد الرابع، ابريل 1936،ص 85.

[40] ابو اسحاق الشيرازي الشافعي، طبقات الفقهاء، تحقيق الدكتور احسان عباس، دون اشارة لدار النشر، بيروت، 1978، ص39.

[41] وكيع محمد خلف بن حيان،أخبار القضاة، صححه وعلق عليه عبد العزيز مصطفى المراغي، مطبعة الاستقامة، القاهرة،1947،ص 110.

[42] الدكتور جبر محمود الفضيلات، القضاء في صدر الإسلام، شركة الشهاب، الجزائر، 1987،ص 256.

[43] ابن فرحون ، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، الجزء الأول، دون إشارة لدار النشر وبلده،ص 60.

[44] ابن أبي الدم الحموي الشافعي، أدب القاضي وهو الدرر المنظومات في الأقضية والحكومات، تحقيق الدكتور مصطفى الزحيلي،

     دار الفكر،القاهرة ، دون سنة ،ص 8. ولتفصيل أكثر راجع: الدكتور عمار بوضياف، مبدأ حصانة القاضي ضد العزل في الفقه الإسلامي والنظم الوضعية، مجلة الحقوق،     جامعة الكويت، السنة الثامنة عشر، العدد الرابع،1994،ص245 وما بعدها.

[45] الدكتور عصام محمد شبارو، قاضي القضاة في الإسلام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992،ص 107.وأيضا عبد الرزاق علي الأنباري النظام القضائي في بغداد في العصر العباسي، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد،1975ص259 وما بعدها.

[46] أبو بلال عبد الله الحامد، المعايير الدولية لاستقلال القضاء في بوتقة الشريعة الإسلامية، دار العالمية للعلوم، بيروت 2004،ص31.

[47] وائل أنور بندق، حقوق المتهم في العدالة الجنائية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية،2007،ص 368.

[48] الدكتور مأمون سلامة، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، الجزء الثالث،دار النهضة العربية، القاهرة، 1996،ص ،97

[49] الدكتور رؤوف عبيد ، مبادئ الإجراءات الجنائية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1970،ص 531.

[50] ابن قدامة المقدسي، المغني على مختصر الخرقي، ضبطه وصححه عبد السلام محمد شاهين، الجزء التاسع، الطبعة الأولى،

     دار المكتبة العلمية، بيروت ،1994 ،ص 35.

[51] ابن قدمة، المرجع نفسه،ص 35.

[52] الإمام محمد بن عبد الله بن علي الخرشي المالكي، حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل ،دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى،

      الجزء السابع، بيروت ،1997،ص 493

     محمد عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على شرح أحمد الدردير المجلد الرابع، دار الفكر، دون إشارة لبلد النشر ،ص138

[53] محي هلال السرحان، كتاب أدب القضاء، رسالة دكتوراه، جامعة الأزهر، 1982 ،ص 140.

شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الذخيرة، الطبعة الأولى، الجزء العاشر، تحقيق محمد بوخبزة، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1994، ص61.شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقري ،إخلاص الناوي ،المجلد الرابع، دار الكتاب المصري، القاهرة، دار الكتاب اللبناني بيروت ،1411ه ص369

[54] ابن قدامه، المغني الجزء التاسع ص 35.

[55] الإمام محمد بن عبد الله بن علي الخرشي،حاشية الخرشي، ص.483

[56] ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، الجزء الرابع، دار الجيل ، بيروت، دون سنة،ص 273.

[57] ابن المنظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت،1997،ص 373.

[58] سورة النساء الآية 58.

[59] الطبري، الجزء الرابع،ص 145.

[60] سورة المائدة الآية 8.

[61] سبق تخريج الحديث.

[62] رواه أحمد أبو داود والترمذي وذكره الشوكاني، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، المجلد الرابع،

    الجزء السابع ،دار الجيل،بيروت،دونت سنة، ص .275.

[63] ذكره وكيع في أخبار القضاة ،ص 31.

[64] ابن قدامه ، الجزء 11 ،ص 442.

[65] عثمان بن حسين بري الجعلي المالكي،سراج السالك شرح أسهل المسالك، الجزء الثاني، مؤسسة المنشورات الإسلامية ،وزارة الشؤون الدينية، الجزائر، دون سنة، ص.198.

[66] الدكتور ابراهيم نجيب محمد عوض، القضاء في الإسلام تاريخه ونظامه، مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية ،1975 ،ص 182.

[67] ابن فرحون، المرجع السابق، ص31.وأيضا محمد بن يوسف أطفيش، شرح كتاب النيل وشفاء العليل ،الجزء الثالث عشر، مكتبة الإرشاد، جدة ،دون سنة، ص66.ولتفصيل أكثر راجع الدكتور عمار بوضياف، السلطة القضائية بين الشريعة والقانون، ريحانة للنشر والتوزيع، الجزائر،2001، ص،148 .الدكتور عمار بوضياف، أدب القاضي في الشريعة الإسلامية، مجلة العدالة، وزارة العدل، الإمارات العربية المتحدة.السنة العشرون، العدد الخامس والسبعون، يوليو1993، ص23 وما بعدها.

[68] إبراهيم أحمد عبد الرحمان الشيخ، المساواة أمام القضاء، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير ، جامعة الأزهر، كلية الشريعة والقانون،

     1989 ،ص 176 .المستشار أنور العمروسي التشريع والقضاء في الإسلام، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1984،ص 77.

    الدكتور محمد نجيب حسين، الفقه الجنائي الإسلامي، الجريمة، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، 2007،ص 205.

   الدكتور عطيه مشرفة، القضاء في الإسلام ، شركة الشرق الأوسط ، القاهرة ،1966،ص 96.

[69] لذلك قيل أن الحركات الثورية التي قامت سواء في العصور القديمة أو الحديثة تنادي بالحرية، إنما كان مصدرها وغايتها النهائية هو تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع الواحد. لتفصيل أكثر راجع: محمد إبراهيم حسن علي ، مبدأ المساواة في تقلد الوظائف العامة، رسالة دكتوراه، حقوق القاهرة ،1985 ، ص15 وما بعدها.

[70] أنظر على سبيل المثال: المادة 25 دستور الإمارات. المادة 18 من دستور البحرين . الفصل 6 من دستور تونس .المادة 29 من دستور الجزائر. المادة 3 من دستور الصومال. المادة 17 من النظام الأساسي لسلطة عمان المادة 9 من النظام الأساسي لدولة قطر. المادة 29 من دستور الكويت. الفصل 5 من دستور المغرب. المادة 40 من دستور اليمن . المادة 7 من دستور لبنان.

 ¦¦๑¦¦ محاضرات: المحاكمة العادلة ... الأستاذ الدكتور عمار بوضياف
ط¨ط¯ط§ظٹط©
ط§ظ„طµظپط­ط©