الأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الشيء في القانون
المدني الأردني والفقه الإسلامي
دراسة قانونية مقارنة
د.أحمد عبد الكريم أبو شنب
ملخص
إن هذا البحث، يسلط الأضواء على أساس المسؤولية عن فعل الشيء في القانون المدني الأردني، إذ نجد أن نقطة البدء فيه، تنطلق من نظرية المباشرة والتسبب المكرسة في الفقه الإسلامي، التي دخلت في أحكام القانون المدني الأردني نفسه، ولقد تبين لنا أنه بالاعتماد على هذه النظرية، نستطيع القول إن المسؤولية عن فعل الشيء في حالة ما إذا كان فعل الشيء الضار، هو من قبيل المباشرة بالنسبة إلى حارسه، إهنما تقوم على أساس تعد مفترض قابل لإثبات العكس، في حين أنها في إطار القانون الفرنسي والقوانين العربية التي نهلت عنه، إنما تقوم كقاعدة عامة على خطأ مفترض لا يقبل إثبات العكس، وهذا ما قادنا إلى نتائج قانونية هامة، وضعناها في خاتمة البحث .
ABSTRACT
This study aims at aexamining the bases of responsibility for committing an act by dioscussing the concept of rothirightly and obliquity in Islamic Law, which are aopted by the Jordanian Civil Law. The study verifies that in the case of forthrightly, responsibility to the contrary relies on the assumed trespass, but the guard ois allowed to prove to the opposite. To the contrary, the victim bears a duty of proof in the case of obliquity. In the French Civil Law, responsibility relies on the assumed fault, which is not allowed to prove to the opposite.
مقدمة
تمثل المسؤولية عن فعل الشيء أهمية بالغة على الصعيد القانوني في عالمنا المعاصر، وذلك بسبب الاستخدام المتعاظم للآلة. ذلك أنه وإن كان التوسع في استخدام الآلة قد جلب النفع وحقق الرفاهية للبشرية، لكنه من الناحية الأخرى يوقع أضراراً بالناس على نطاق واسع سواء في أجسادهم أم في ممتلكاتهم .
ويضاف إلى ذلك أن انتشار البناء والعمران، وتزايد حاجة المجتمع باستمرار إلى مزيد من البناء لتغطية حاجة الإنسان إلى المسكن أو حاجة المجتمع إلى المرافق، هو ما يسبب أضراراً للأفراد في بعض الأحيان فيما لو إنهار البناء كلياً أو جزئياً، هذا فضلاً على توسع الإنسان في تربية الحيوان وما يجرّه ذلك من أضرار توقعها الحيوانات بالغير.
لقد وجد علماء القانون في أوروبا ولا سيما في فرنسا أن الاستناد على الأساس التقليدي للمسؤولية المدنية والمتمثل بخطأ واجب الإثبات، يؤدي إلى ضياع حقوق المتضررين من فعل الآلة، كلما عجز هؤلاء عن إثبات خطأ صادر عن حارس الآلة التي أحدثت الضرر بهم .
ولقد دلّت القضايا المنظورة أمام القضاء أن هناك حالات كثيرة يعجز فيها المتضررون عن إثبات خطأ حارس الآلة، مما يعني تحملهم لضرر دون ذنب جنوه، وهو ما يخلّ بالعدالة حتماً، ومن هنا فقد تطوّر الأمر هناك إلى حد ترجيح إقامة مسؤولية حارس الآلة على خطأ مفترض افتراضاً لا يقبل إثبات العكس، بمعنى أنه لا يقبل من حارس الآلة إثبات أنه لم يخطئ عندما أحدثت الآلة محلّ حراسته ضرراً بالغير، فإذا أحدثت الآلة ضرراً بالغير فهذا مؤداه أن حارسها مخطئ حكماً، ولا يستطيع أن يتنصل من المسؤولية إلا بإثبات السبب الأجنبي، وبهذا الحل القانوني أخذت أيضا العديد من القوانين العربية كالقانون المصري والقانون اللبناني والقانوني السوري، فإذا ما انتقلنا إلى الأردن، فإننا نجد أن المشرع الأردني هو الآخر قد أقام مسؤولية حارس الآلات الميكانيكية على تعدٍ مفترض، لكنّ المشرع الأردني خالف ما ترجّح بهذا الصدد في فرنسا والدول العربية التي أخذت عنها، من حيث إقامته لهذه المسؤولية على تعد مفترض قابل لإثبات العكس ، بمعنى أن يكون من حق حارس الآلة أن يثبت أنه بذل العناية اللازمة للحيلولة دون إحداث آلته ضرراً بالغير، فإذا نجح في ذلك، لم يتحمل مسؤولية ذلك الضرر، وحقيقة الأمر أن الحلّ القانوني الذي أخذ به المشرع الأردني هو مما يتوافق مع ما هو مستقر في الفقه الإسلامي من أنه لا تكليف إلا بمقدور، بمعنى أن الإنسان لا يسأل إلا إذا كان الفعل الحادث كان ضمن طاقته وفي وسعه الحيلولة دون حدوثه، فإذا بذل كل ما يستطيع لمنع حدوثه لكنه لم يفلح انتفت مسؤوليته. وبذلك فإن قاعدة "لا تكليف إلا بمقدور" المقررة في الفقه الإسلامي هي أعمّ من قاعدة "لا تكليف بمستحيل" المقررة في القوانين الوضعيّة.
إن هذا البحث هو محاولة نقوم بها لسدّ فراغ في الدراسات القانونية الأردنية التي نادراً ما تعرضت للأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الشيء في القانون المدني الأردني، وحتى لو تعرّضت فإنما تتعرض له بشكل سطحي لا يثري المعرفة القانونية في هذا البلد، وفضلاً عن ذلك، فإن من يبحث في القانون المدني الأردني يتوجب عليه أن يبحث أيضاً في الفقه الإسلامي باعتباره المصدر التاريخي للقانون المدني الأردني، هذا عدا ما يحتويه هذا الفقه من نظريات وتطبيقات قانونية تصلح أساساً لحلّ الكثير من المشاكل القانونية المعاصرة بعدالة ومعقولية. كما إننا وإثراءً للموضوع سنجعل دراستنا دراسة مقارنة مع ما هو مستقر في الفقه القانوني الفرنسي والقوانين العربية التي نهلت عنه .
إن أهمية بحثنا في هذا الموضوع لا تخفى على المتخصص في القانون، ذلك إننا باستجلائنا للأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الشيء نحدد الجهة التي نفترض خطأها أو تعدّيها، وكذلك ما إذا كان يحق لهذه الجهة أن تدفع عن نفسها المسؤولية بإثبات عدم خطئها (أو تعدّيها) أم لا، وعلى هذا فسوف نبحث في مبحث أول في الأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الشيء في القانون المقارن، ثم في مبحث ثانٍ في الأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الشيء في الفقه الإسلامي، ثم في مبحث ثالث نبحث في الأساس القانوني للمسؤولية عن فعل الشيء في القانون المدني الأردني.