الدكتور فلاح اسماعيل حاجم
المعالجة القانونية
لتنظيم العملية الإنتخابية
(دراسة مقارنة)
2005
الــمـقـدمــة
لم يتبق من الوقت المحدد لاجراء الانتخابات في بلدنا سوى القليل؛ اذ أكدت الفقرة (ج) من المادة الواحدة والستين من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية على ضرورة اجرائها في موعد اقصاه 15 كانون الاول.
وبالاضافة الى كون الانتخابات ستجرى في ظروف بالغة التعقيد جراء الوضع الامني غير المستقر فان العملية الانتخابية ذاتها ستبرز الى السطح اشكالات اخرى قد لا تقل تعقيدا عما يجري الآن في الساحة العراقية؛ حيث غياب الاصطفاف الواضح للقوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسية واصرار البعض من دول الجوار الاقليمي على اعاقة العملية السياسية الجارية في بلادنا.
ان كل ذلك سيزيد المهمات التي ينبغي على الاجهزة الانتخابية انجازها في فترة زمنية قياسية وان نجحت تلك الاجهزة في ذلك؛ وهذا ما نتمناه لها؛ ستكون قد سجلت مأثرة وطنية لا مثيل لها في تأريخ الانتخابات؛ حيث ان الاوضاع الشاذة عادة ما تكون ذريعة لتاجيل الانتخابات ان لم نقل الغائها نهائيا.
واذا ذهبت بعض القوى الى العمل المستميت من اجل افشال التجربة الانتخابية سواءا من خلال التشكيك بشرعية الاجهزة القائمة على انجازها؛ او عن طريق دعم القوى التكفيرية والارهابية؛ فان الغالبية العظمى من ابناء شعبنا ترى في الانتخابات الوسيلة الاكثر مشروعية لانتخاب الجمعية الوطنية ولانبثاقالاجهزة الدائمة للدولة العراقية التي ستكون من بين اولويات اجندتها اشاعة الأمن وتمهيد الطريق لمغادرة القوات متعددة الجنسية الاراضي العراقية؛ وهي الذريعة التي تتمسك بها القوى المعادية للديمقراطية والداعية لمقاطعة الانتخابات. واذا كانت مسؤولية اجراء الانتخابات تقع بالدرجة الاولى على عاتق اجهزة الدولة الانتقالية؛ فان جزءاً كبيراً من تلك المسؤولية تتحمله مؤسسات المجتمع المدني من احزاب سياسية ومنظمات مهنية واجتماعية وجميع من يهمه مستقبل العملية الديمقراطية الجارية في بلادنا.
تكاد تجمع الدساتير المكتوبة والتشريعات الانتخابية على اعتبار حق الاقتراع من الحقوق الاساسية للمواطنين الا ان بعضاً من تلك التشريعات ممارسة ذلك الحق من الواجبات التي يترتب على المواطن القيام بها لاثبات سلامة مواطنته؛ لكن تلك التشريعات صنفت الامتناع عن المساهمة بالانتخابات ضمن المخالفات الادارية التي يترتب على القائم بها دفع غرامة نقدية ((استراليا ؛ ايطاليا ؛ مصر ؛ لوكسمبورغ ؛ بلجيكا ؛ تركيا ؛ الارجنتين .... الخ) او التعرض للحبس الاداري (تركيا والباكستان في الماضي القريب) حتى ان تشريعات بعض الدوّل ذهبت الى تصنيف الناخبين على اساس اعمارهم؛ ففي البرازيل مثلاً اعتبر التشريع المشاركة في الانتخابات اختيارياً للمواطنين الذين تتراوح اعمارهم بين 16 و 18 سنة وما فوق السبعين من العمر. اما في العراق فقد اعتبرت المادة العشرون من قانون ادارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية حق الانتخاب حراً تاركة امر ممارسته او الاحجام عنه للمواطن ذاته. ان كثافة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات القادمة في بلادنا سيكون لها اثر بالغ في انجاح كامل التجربة العراقية في الاصلاح السياسي؛ ومن هنا تأتي اهمية حملة التوعية التي ينبغي على القوى السياسية العراقية القيام بها للارتفاع بمستوى الوعي السياسي والقانوني للعراقيين سيما وان النظام البائد مارس وبشكل منظم ومنهجي سياسة التغييب القسري للمواطن عن الاسهام في اختيار اجهزة الدولة وخصوصاً التشريعية منها بالاضافة الى حالة الاميّة السياسية التي اشاعها النظام الدكتاتوري.
ان الرجوع الى التجربة العالمية الكبيرة في اجراء الانتخابات سيكون له اثر بالغ الاهمية في انجاح التجربة العراقية. ان دراسة وتحليل وتطبيق تراث الدوّل الاخرى في مجال اجراء العملية الانتخابية سيوفر على دولتنا الكثير من الجهد والوقت؛ وبهذا الخصوص ارجو ان يكون هذا الكراس جهداً متواضعا للاسهام في انجاح العملية الانتخابية في عراقنا الجديد؛ العراق الديمقراطي الفيدرالي الموّحد.