علاقات
المحكمة الجنائية الدولية
(دراسة مقارنة)
إعداد
الدكتور براء منذر كمال عبد اللطيف
أستاذ القانون الجنائي الدولي بجامعة تكريت
المـقــدمـــة
في السابع عشر من تموز عام 1998،أُختتمت أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية بالموافقة على تبني نظامها الأساسي،وفي اليوم التالي افتتحت الاتفاقية للتوقيع بمدينة روما الإيطالية،وكان الغرض من ذلك النظام إنشاء محكمة تختص بالتحقيق ومحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره.
ووفقاً للنظام الأساسي،دخلت اتفاقية إنشاء المحكمة حَيِّزْ التنفيذ في الأول من تموز عام 2002 ،بعد مرور ستين يوماً من إيداع الدول الستين وثائق تصديقها على النظام الأساسي لدى هيئة الأمم المتـحدة.وقد اختلفت آر اء الفقه الجنائي حولها،فمنهم من رحب بها كونها تمثل حُلُمَ البشـرية في محاكمة المجرمين الدوليين،ومنهم من رأى إنها مجرد وهم ، و إن النظام الأساسي جاء قاصراً عن تحقيق تلك التطلعات.
هذا الموضوع المتجدد اخترناه عنواناً لدراستنا لأسباب عِدة، لعل أهمها أن العلاقات الواسعة والمختلفة للمحكمة من المواضيع الحديثة التي تتمتع بقدر كبير من الأهمية في المجالين النظري والتطبيقي،كونها يتعلق بالقانون الجنائي الدولي ( [1]) الذي لم يزَل في طور التكـوين على العكس من القوانين الجنائية الوطنية التي استجمعت مقومات وجودها.كما أن هذه المحكمة تميزت عَمَّا سبق ت ها من محاكم بكونها ذات صفة دائمة،تشكلت عن طريق اتفاقية دولية،حيث كرست العديد من تطورات القانون الجنائي الدولي،و أقرت قواعد جديدة لم تترسخ بعد في القانون المذكور.
و على الرغم من أن موضوع المحكمة الجنائية الدولية من المواضيع القانونية،إلا أنه لا يمكن إنكار السمات السياسية فيه ،حتى أن صياغة النظام الأساسي جاءت بصورة توفيقية بين رغبات الدول التي اشتركت في مؤتمر روما الدبلوماسي،تلك السمات أضفت على الموضوع أهميةً أكبر وتعقيدات أشد ، مما يجعل الموضوع جديراً بالبحث والتحليل.
ولقد كان الإعلان عن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بمثابة الإعلان عن ولادة شخص جديد مـن أشخاص القانون الدولي،وطبيعته المزدوجة (الجنائية-الدولية) يُحتم بالضرورة قيام علاقات واسعة بين المحكمة وأشخاص القانون الدولي.وهذا ما يُمَيِّزها عن المحاكم الجنائية الوطنية.لذلك لابد من دراسة تلك العلاقات التي تربطها مع أهم أشخاص القانون الدولي من منظمات ودول ( [2]) ،للتعرف على مكانتها في المجتمع الدولي ، وكيف تُدَار دَفَّتَها ،ومن الذي يُس َ ي ِّ ر ُ ه َ ا ويرسم لها طريقها ويُنفذ قراراتها دولياً،ومدى تأثير كل ذلك على نظامها القضائي بشكلٍ عام،وحيادها واستقلالها وفاعليتها بشكلٍ خاص .
وعلى الرغم من إمكانية قيام علاقة بين المحكمة ومختلف المنظمات، سـواء كانت حكومية أو غير حكومية،فإن نظامها الأساسي قد خَصَّ الأمم المتحدة بعلاقة مُتَمَيِّزة كونها المنظمة الكبرى عالمياً .كما تناولت تلك العلاقة بالتنظيم اتفاقية عُنيت بوضع قواعد خاصة بها،فقد كان هناك اتفاق عام لدى الدول على أهمية قيام علاقة وثيقة بين الأمم المتحدة والمحكمة من أجل كفالة طابعها الدولي ومكانتها الأدبية ( [3]) ،وبما أن مستوى العلاقة مع المنظمات الأخرى يكاد يكون ضئيلاً مقارنةً بالعلاقة مع الأمم المتحدة،لذلك سنخصص المبحث الأول لدراسة تلك العلاقة. ونخصص المبحث الثاني ل علاقة المحكمة ب دول العالم و جمعية الدول الأطراف.