من دهاليز الملعب وخفاياه: متى شهد الملعب أكبر حضور جماهيري له.. في مباراة كرة قدم أم؟؟؟
لماذا عده البعض مقبرة للنجوم؟؟؟
حقيقة مؤلمة تخص الانجازات الكروية لمنتخباتنا عليه.. لكن علينا أن نقر بها!!

هو الستاد الدولي الوحيد بالعراق.. خطت على أرضه أجيالا بأكملها حروف كرة القدم الأولى وكان أعتزالها عليه..فكم جيل عاصر هذا الملعب؟؟ وكم جيل تربى على أرضه.. وكم عهد أتى بعد تنفيذه ولم يخطِ بخطوة تكرار التجربة وبناء ملعب غيره ليبقى "الشعب" منفردا بصدارة الملاعب العراقية.. تعالوا لنتعرف على ملعبنا الوحيد (الشعب)..
البداية

لقطة لجمهور ملعب الشعب في الثمانينيات
تقول جريدة الصباح أن صاحب الامتياز النفطي من حصة العراق السيد (كولبنكيان) أرمني الأصل برتغالي الجنسية قد عرض على حكومة 14 تموز بقيادة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم نسبة من حصته لتنفيذ عدة مشاريع فكانت ثمارها وبالتخطيط مع حكومة الثورة: المتحف العراقي – المسرح الوطني – ملعب الشعب..ولكل منها قصة نفرد بحثنا هذا على ملعب الشعب الدولي..
فقد أستقبل الزعيم عبد الكريم قاسم السيد كولبنكيان في مكتبه بوزارة الدفاع بعد أن طرح عليه إعطاء الحكومة العراقية نسبة من المُنحة النفطية المخصصة اليه لتنفيذ مشاريع تنموية وإعمارية في بغداد.. وكان أن استدعى الزعيم أبن شقيقته اللاعب الشاب مؤيد محمد صالح ليكون طرفا ثالثا فيه مع استغراب الاخير لهذا الأمر..
كولبنكيان: سيادة الزعيم نشكركم في العام الماضي على التصرف بالمنحة المخصصة بتلك المشاريع التي شرعتم بالعمل بها وأقترح أن تكون منحة هذه السنة لبناء ملعب..
عبد الكريم قاسم: سمعت بهذه الفكرة ولذلك استدعيت إبن أختي لاعب كرة القدم ليشهد الحوار..
الاثنان يتفقان على صيغة معينة يتم في نهايتها التوصل الى حل نهائي: ملعب دولي في بغداد بمواصفات عالمية (إنكليزية) أسماه عبد الكريم قاسم بإسم (ملعب الشعب)..
العمل يبدأ به أواسط عام 1961..لينتهي في يوم السادس من شهر تشرين الثاني 1966 في عهد حكومة الرئيس الراحل عبد السلام عارف..
ليكون كالآتي:
- كلفة البناء (مليون دينار عراقي)
- المساحة الاجمالية 200 ألف متر مربع
- السعة الاجمالية 45 ألف متفرج
- مضمار لالعاب القوى مغطى بالتارتان
- يحتوي على 18 بوابة دخول موزعة على الجهتين
- أبراج إنارة ترتفع عن الأرض بمسافة 55 مترا على وفق المواصفات العالمية..
- مساحة خارجية لوقوف السيارات تبلغ 40 الف متر مربع تسع لوقوف 4 الاف سيارة..
قصة أرضية الملعب
يقول السيد اسماعيل حمودي (مدير الملعب في أوائل سنين افتتاحه):
بعد أن استلمت مسؤولية الادارة أخذت على عاتقي مهمة تشجير الملعب واحاطته بسياج من الاشجار العالية اضافة الى زرع الاماكن الخالية من أرضيته بالعشب الطبيعي ولم يكن الامر سهلا لان التخصيصات المالية حينها كانت شحيحة فأستعنت بأصدقائي المسؤولين العسكريين الى أن تمكنت بمساعدتهم من الحصول على 13 الف شتلة من مختلف الانواع مجانا..
و أ ضاف قائلا : ولما كانت الارض تغطيها الاملاح فقد استعنت بخبير زراعي نصحني وقتها برفع الطبقة العليا من التربة ثم وضع مادة (التبن) ثم تغطيته بطبقة جديدة من (الزميج) حتى نضمن عدم تسرب الملوحة الى الاعلى مجددا.. وفعلا نجحت الخطة لتكون للملعب أرضية بالطريقة المذكورة ظلت خالدة حتى يومنا هذا من شتلات حمودي!!!!!..
نفهم من هذا الكلام أن الشركة التي شرعت ببناء الملعب لم تحسب حسابا لارضيته مطلقا وتركت الأمر على القائمين عليه وهذا أمر يندر الحدوث في كل ملاعب العالم..
الافتتاح

أفتتاح الملعب كان بتاريخ 6/11/1966 في مباراة جمعت المنتخب الوطني العراقي (بطل العرب) ونادي بنفيكا البرتغالي بقيادة أوزبيو الذي يضم بين صفوفه أيضا نخبة من نجوم المنتخب البرتغالي المتألق في بطولة كأس العالم في تلك السنة 66..

الجيل الأول الذي لعب على هذا الملعب!
بلغ عدد الحضور 50 الف متفرج وانتهت المباراة بنتيجة 2-1 للنادي البرتغالي التي في نهايتها واجه الجميع مصاعب جمة في العودة الى منازلهم بسبب عدم توفر خطوط المواصلات آنذاك فعاد أكثرهم مشيا على الاقدام مما زاد من أصوات الاحتجاج على موقع الملعب كون خطوط النقل في بغداد في تلك الفترة تنتهي عند الباب الشرقي ولايوجد أي خط يمر بالقرب من الملعب..
غرائب الملعب

منذ انشاءه أمتاز هذا الصرح بأسرار وغرائب عدة..أولها ندرة البطولات التي أحرزها العراق عليه.. إذ أنه ومنذ عام 66 وخسارة الافتتاح مع بنفيكا لغاية عام 2001 مباراة العراق والبحرين الدولية في تصفيات كأس العالم لم يشهد تتويجا عراقيا عليه الا مرتين كانت أولهما في بطولة كأس العالم العسكرية 72 في بغداد والثانية في بطولة خليجي 5 عام 79 على أرضه ايضا .. فإذا كانت الكرة العراقية تفخر بإنجازاتها التاريخية (بطولات اسيا للشباب وأهمها على ملعب آريامهر 77 وبطولة أمم آسيا 2007 على ملعب جاكارتا والتأهل الى كأس العالم 86 من ملعب الطائف والفوز بكأس العرب من على ملاعب الكشافة وعمّان والطائف والكويت والدورة الرياضية العربية في دمشق والمغرب وغرب آسيا في دمشق وكأس فلسطين في المغرب والتأهل الى الدورات الاولمبية من ملاعب سنغافورة وعمّان ومسقط) فأن ملعب الشعب الدولي لم يشهد ايا من تلك الانجازات بإستثناء الانجازين المذكورين أعلاه ..
فعلى ارض هذا الملعب فقد العراق بطولة كأس فلسطين مرتين 73 و89 وعلى أ رضه خرج العراق من تصفيات موسكو 80 في مباراته الشهيرة مع الكويت..وعلى أ رضه خرج من تصفيات كأس العالم 90 بمباراة دراماتيكية مع قطر عام 89.. ناهيك عن الضياع النهائي لحلم التأهل الى مونديال كوريا واليابان 2002 يوم خسر الفريق العراقي أمام منتخب ايران على أرضه بنتيجة 1/2!..
الانجازات التي شهدها هذا الملعب هي عبارة عن بطولات ودية احرزتها الفرق العراقية التي لعبت عليه:
بطولة الاندية العربية عام 85 أحرزها نادي الرشيد وبطولة الشرطة العربية عام 85 أحرزها نادي الشرطة وبطولة مجلس التعاون العربي 89 احرزها نادي الزوراء علما أن بطولتي خليجي 5 والعالم العسكرية التي أحرزها العراق غير مدرجة ضمن لائحة الفيفا لتكون الحصيلة أن العراق رسميا لم يحقق أي إنجاز كبير على هذا الملعب.. الا انجازا تصفياتيا واحدا هو تأهله الى نهائيات كأس الامم الاسيوية 76 في ايران عبر صدارة منتخبه الوطني للتصفيات التي جرت على أديمه عام 1975..

خيّب الملعب ظن جمهور الفريق العراقي في تصفيات موسكو 80!
الغريب أيضا في أمر (الشعب) أنه شهد نهايات واصابات مأساوية لعدد من لاعبينا الدوليين وهو مالم يشهدوه في مشاركاتهم الدولية الخارجية.. فعليه قُضي على مستقبل المهاجم الواعد كاظم وعل وعلى ارضه تعرض فلاح حسن لاصابة خطيرة ابعدته عن جمهوره ليعود بعدها بنصف مستواه وعلى أرضه أيضا أصيب حبيب جعفر وعماد هاشم وعلاء كاظم اصابات قاتلة وعليه كادت إصابة بالرأس أن تودي بحياة علي حسين شهاب.. وحفرة في أرضه أسقطت عدنان درجال في مباراة رومانيا الودية لتتفاقم في المكسيك حارمة المنتخب العراقي من خدماته في المونديال..
علما أن جميع المذكورين قضوا أغلب فترات عمرهم الكروي في الملاعب الخارجية ولم يصيبوا الا على ملعب الشعب!!!!..
ناهيك على أن منزعه الخاص باللاعبين شهد حادثة الاعتقال الشهيرة للاعب الراحل بشار رشيد أثناء مباراة الشرطة والطلبة والتي تم بعدها إعدامه!!..
من غرائب ملعب الشعب ايضا معلومة طريفة عرفناها عنه: فبالرغم من كونه ملعبا مخصصا شبه كليا لكرة القدم وقضى 4 3 من عمره بمبارياتها مع بعض الفعاليات المعدودة التي ذكرناها الا أن ما يـ ُ شهد له أن أكبر نسبة حضور جماهيري في تاريخه شهدها ليس لمباراة كرة قدم ولكن لنزال مصارعة بين عدنان القيسي ومصارع كندي بلغت نسبة الحضور فيه الى 85 الف متفرج !!!! ..

وقد تسألونني كيف تكون هذه النسبة والملعب سعته القصوى 50 ألف فأجيب قائلا بأن النزال كان وسط حلبة صغيرة في منتصف ساحة اللعب أي أن للجمهور مساحات متاحة بالنزول الى أرضية الملعب والساحة والميدان وليست كمباريات كرة القدم بتفريغ مساحات شاسعة ناهيك عن الارضية..
هذا وقد بلغ حضور مباراة الشرطة والزوراء في أحد مواسم بداية التسعينيات الى مايزيد عن الـ 68 الف متفرج غص بهم الملعب و40 الف متفرج خارجه..
لوحة التسجيل
بقي الملعب خاليا من لوحة تسجيل أو كما يُعرف بالساعة طيلة أحد عشر عاما حتى تم افتتاحها في الحادي والعشرين من آذار/مارس من عام 1978 في مباراة جمعت القوة الجوية بالميناء ظهر فيها اسم لاعب الجوية سليم ملاخ كأول اسم يظهر عليها بعد عنوان الفريقين، غير أن مصادر أخرى تشير الى أن افتتاحها جرى في الثالث والعشرين من شباط/ فبراير من عام 1979 في المباراة الودية التي جمعت العراق بالسويد وانتهت بفوز العراق بهدف سجله حسين سعيد ليكون أول اسم وضع على هذه اللوحة.. ومن هذه المصادر ماذكر في جريدة البعث الرياضي في أحد اعدادها بمناسبة مرور عشرون عاما على افتتاحه وقاله ايضا الاعلامي علي رياح في برنامجه الاثير عراقنا الرياضي في إحدى حلقات التسعينيات..

احتضن ملعب الشعب الجيل الذهبي المتأهل الى مونديال المكسيك
بقي أن نقول أن هذا الملعب شهد أيام عزه دوليا في الفترة من عام 80 لغاية عام 86 بسبب كثرة المباريات التي خاضها المنتخب الوطني العراقي عليه وإن ساد أغلبها الطابع الودي.. فقد حضرت في تلك الفترة الكثير من الفرق الاجنبية "أغلبها أندية" وتبارت مع منتخب العراق الوطني والمنتخبات الوطنية الاخرى على أديمه..
فرحة عراقية للكابتن حسين سعيد بتسجيل هدفا في مرمى فريق خصم في مباراة ودية جرت على ملعب الشعب
وكانت آخر تظاهرة رياضية رسمية شهدها عبر بطولة تجمع هي تصفيات كأس العالم الأولية لعام 2002 حين استضاف مباريات مرحلة ذهابه التي ضمت اضافة الى العراق كلا من (كازاخستان والنيبال وماكو) ناهيك عما شهده من مباريات متفرقة في المرحلة النهائية من تصفيات كاس العالم وماتلتها من مشاركات أنديتنا العراقية ضمن الاستحقاقات الاسيوية على أديمه..
أرفق بالملعب بعدها منشآت رياضية مثل قاعة الشعب للالعاب الرياضية المتنوعة ومسبح القادسية وملعب تنس وملعب الشعب الثاني وأخيرا ملعب لخماسي كرة القدم..
علما أن مضماره شهد بطولات عربية وأقليمية بألعاب القوى..

لاشك أن ملعب الشعب هو واجهة العراق الرياضية الى العالم رغم حرمان العديد من الاجيال من تمثيل وطنهم بالمباريات الدولية عليه الا أنه بحاجة إلى التفاتة من أي مسؤول إليه.. ففي نيسان من عام 2003 عسكرت فيه القوات الامريكية لتسلمه بعد عام وهو بحال أسوأ مما كان عليه إضافة الى أن الملعب حاليا يشهد ارضية بالغة السوء ناهيك عن تقادم مرفقاته الاخرى.. علما أن ملعب الشعب كما ذكرنا منذ افتتاحه حتى يومنا هذا لم يشهد أرضية قانونية بسبب زراعتها بدائيا حالها حال أية حديقة منزلية!!!!!!! ..
خصصنا هذه الحلقة الخاصة لهذا الملعب بمناسبة الشروع بتشكيل المجلس الجديد لمحافظة بغداد بعد الانتهاء من فرز النتائج النهائية للانتخابات راجين وبصريح العبارة أن يخصص هذا المجلس الجديد جزءا بسيطا من ميزانية "المليار دولار" لواجهة بغداد الحضارية "ملعب الشعب" وإنشاء ملاعب أخرى للتخفيف عن كاهله.. علما أن مجلس المحافظة الذي سبقه لم يلتفت كليا لهذا الشأن.. هي وعود قطعها المرشحون ننتظر منهم الايفاء بها..
تمت
المصادر والمراجع:
1- الباحث الكبير سمير الشكرجي من موضوع منشور في مجلة الرشيد
2- جريدة المدى
3- جريدة الصباح
4- سلسلة حوارات مع الصحفي عبد الرحمن فليفل
5- زيارة ميدانية من قبل الكاتب للملعب