ختمنا بفضل الله الاجزاء الثلاثة من حلقات دوّنها الراحل عبد كاظم للصحفي الرياضي سعدون جواد لينشرها في مجلة الرشيد قبل ثلاث وعشرون عاما وكعادة الموسوعة لم تكتف بخاتمة قلم سعدون جواد الذي توقف حبره بتدوين هذه السلسلة عند الاعتزال عام 78 فقمنا بدور الباحثين عن عبد كاظم مابعد هذا التاريخ لنجد ظالتنا عند صحفي مُخضرم اسمه عبد الرحمن فليفل عاصر الراحل فلم يبخل علينا بأية معلومة تخص خالد الذكر وبالاخص عند سفره من العراق حتى اغماضته الاخيرة بعد عودته... وفاته!..
لكن هل نكتفي بذلك ونطوي صفحات هذه السلسلة بناءا على ماتكلم به شاهد عيان أم نستمر بالبحث والتنقيب لنتعرف جيدا على ماقاله عبد كاظم بنفسه في أيامه الاخيرة وقبل رحيله الازلي.. وبناءا على ذلك نقول،، ماوجدنا أفضل من هذه الوثيقة التاريخية لنقدمها الى القراء مثلما وردت بمصدرها الاصلي وبكلام العائد وليس اللاعب عبد كاظم شاءت الصدف وبعد سنين النشر تلك أن نواجه نفس المشكلة!...
للتاريخ ولبيان الحقيقة....

هدية من الزميل العزيز استبرق عبد الحكيم "شرطاوي للموت" نجد فيها عبد كاظم يحاكي الشرطة قبل رحيله الأزلي
لقاء تاريخي هام مع الراحل عبد كاظم أجراه لجريدة المدى الزميلان الصحفيان (إياد الصالحي وحيدر مدلول) قبل وفاته بأشهر وقبل انتخابات دوكان للاتحاد العراقي لكرة القدم!...
نطرحه للتاريخ بحذافيره وكما ورد وعلى لسان صاحبه الراحل ومن وجهة نظره الشخصية أمام قراء الموسوعة إيمانا منا بعدم الاكتفاء بسيرة عبد كاظم لاعبا بل تسليط الضوء عليه مدربا ومغتربا ثم عائدا فراحلا بحسرة!...
عبد كاظم يفتح جبهة المصارحة للمدى
ويكشف أوراقه
*سعيد تلقى أمراً خارجياً ليحرق ورقة راضي!
*هذه حقيقة هروب ولدي من القضاء العراقي!
أحمد عباس بعث لي برسالة لعمل كتلة متجانسة!
أجرى الحوار / أياد قاسم الصالحي - حيدر مدلول:
* حسين سعيد يقول بأنه لم يأخذ أية عمولة لحسابه الخاص من اي عراقي ارتبط بعقد خارجي، وهذا يدحض تشكيكم بنزاهته؟
-ابتزازاته لللاعبين العراقيين.. وبصراحة سوف لن اخبركم عن اسم اللاعب الذي ارسل المعلومة خوفاً من تعرضه الى السوء.. هذا اللاعب أراد تمشية معاملة تعاقده مع احد الفرق العربية حيث طلب منه حسين سعيد 600 دولار حصة للاتحاد فاجابه اللاعب بانه لم يستلم اي شيء من النادي ولا يمتلك المبلغ المذكور .. فرد عليه سعيد : (روح بيع شيء وسدد المبلغ...)!! وبعد أن دبرت له المبلغ قال لي: اعط مبلغ 20 دولاراً إلى عمر (ابنه)!! فهل يجوز أن يقود هذا الرجل الرياضة في العهد الجديد؟!
*هل ترى إن إقالة السيدين أحمد راضي وباسم جمال قد سحبت البساط من جبهتك وإن الأول بالتحديد قد سقط ضحية إنجراره لمعسكرك؟
- أحمد راضي لم ينحز لي ولم يشكل معي جبهة ضد حسين سعيد أو غيره.. لقد جمعتني معه دعوة غداء فسرها الأخير بإننا كوّنا جبهة ضده لإسقاطه.. وعلى هذا الأساس اعتقد أن سعيد تحرك لإقالة راضي وليس لموضوع عقوبة يونس التي ما زالت قيد التحقيق أي دخل في ذلك.. ويبدو أن سعيد قد تلقى أوامر من الخارج وتحديداً من إحدى الدول الخليجية لمباركة وتنفيذ مخططه بتهميش التيارات وحرق الأوراق التي تقف ضد رغباته في كثير من الأمور ولكي تبقى الساحة فارغة للموالين له فقط!! وليعلم الجميع أن سعيد يعّول على أوراق الفيفا أكثر مما يعّول على أبناء جلدته وهذا مؤشر خطر سيؤدي بالرياضة لأن تكون لعبة بيد الآخرين!.
*حاولت الاتصال بعدد من الأعضاء الجدد الذين أضافهم السيد حسين سعيد إلى تشكيلته لمنعهم من الإنضمام للهيئة المؤقتة ما دافع اتصالك هذا؟
- ليس لدي السلطة على أي إنسان لمنعه أو أصدر له الأوامر بعدم قبول أي منصب في الهيئة المؤقتة وإذا كان المقصود سمير كاظم فهو رئيس هيئة إدارية لأهم ناد في القطر واعتقد انه صاحب القرار الأول والأخير في تحديد موقفه من العمل تحت لواء سعيد أو غيره، وستتضح الرؤية حول الهيئة الجديدة قريباً.
*أعلنت ترشيحك للانتخابات الجديدة التي ستجري منتصف حزيران المقبل، أشار بعض أعضاء الاتحاد إلى إنك لا تملك الحق والحجة القانونية في الترشيح فكيف ستدخل الانتخابات؟
-مع إنني لا أريد التحدث عن الانتخابات وورقة ترشيحي لها لكونها مفاجأة في وقتها.. لكنني أقول لهؤلاء إنني سأرشح بقوة للاتحاد استجابة لطلب الجماهير الرياضية ورغبتهم التي باتت تلح عليّ بشدة طالبة الترشيح، بل إنها قدمت الدعم مبكراً للالتفاف حول القائمة التي أعددتها علماً أني لا أطمح لمنصب رئاسة الاتحاد وإذا كتب لي التصويت بالفوز فإنني سوف اتنازل عن المنصب لشخص آخر كفوء وجدير بالمهمة وأنا واثق بأن هناك عشرات ممن يستحقون ثقتي وثقة الجمهور الرياضي، وسأعود وأقول لك مرة ثانية إن همي إبعاد العناصر السيئة التي خدمت النظام المقبور والتي ساهمت في التراجع الخطر الذي شهدته الرياضية العراقية.
*ولكن السيد عبد الخالق مسعود قال في آخر مؤتمر صحفي بإنك لا تستطيع الترشيح للانتخابات لأنك لا تنتمي إلى اي نادٍ حالياً؟
- عبد الخالق مسعود كرياضي بارز قدم خدمة كبيرة للرياضية العراقية واعتقد هو الأجدر مني في احتلال مناصب مهمة في الاتحاد، وهذا تعليقي ولن أضيف وإليه شيئاً!!
*يرى بعضهم أن وجود حسين سعيد وبقية الأعضاء الذين شكلوا علاقات إيجابية مع الاتحادات الآسيوية والعربية في الفترة المنصرمة سيسهم في نجاح عمل الاتحاد وسيحقق نتائج جيدة للكرة العراقية ماذا تقول؟
- هذا شيء مؤسف حقاً خصوصاً إنه يروج بكثرة في الإعلام... هل نعتقد إننا من دون حسين سعيد لا يمكن أن نحقق النتائج الإيجابية؟ هذا تزييف وقفز على الحقيقة، اعتقد أن هنالك أشخاصاً بإمكانهم إدارة شؤون الاتحاد بكفاءة عالية. لماذا نركنهم على رفوف التهميش والبطالة التي ما زالوا يعانونها؟ ثم إن هنالك اتصالات لا تزال جارية مع عدد كبير منهم داخل العراق وخارجه وهم شخصيات رياضية بارزة يأملون أن يحدث تغير كبير في تركيبة الاتحاد في الانتخابات الجديدة.
*علمنا بأن بعضاً ممن اختارهم حسين سعيد في الهيئة الجديدة بعد إقصاء أحمد وباسم كانوا ضمن القائمة التي رشحتها لدعم موقفك.
- نعم، سبق أن زارني السيدان باسم الربيعي وعبد الإله محمد حسن قبل دعوتهما للهيئة الجديدة وطالبوني بإعداد قائمة موحدة في الانتخابات القادمة واقترحوا ترشيح بعض الأسماء، كما أرسل لي السيد أحمد عباس رسالة شفوية عن طريق المدرب عبد الإله عبد الحميد للغرض نفسه وأصر على التنسيق معاً لخلق كتلة متجانسة وموحدة تضم أسماء جديرة بالمسؤولية، وحتى السيد محمد جواد الصائغ كنت قد رشحته ضمن القائمة ومعنا أيضاً الدكتور هديب مجهول علماً إننا لم نتصل به.
*بصراحة كابتن، ليس كل الجمهور يعرف تاريخ عبد كاظم ثم إن الجيل الحالي وعى على إنجازات حسين سعيد مع الكرة العراقية ومن المتوقع بالنسبة للثاني إنه يعول على الجماهير الرياضية في دعم موقفه استناداً إلى تاريخه الذهبي مع الكرة بالأمس القريب؟
- أنا أفهم جيداً ما حققه سعيد تاريخياً ولكننا صفقنا لأهدافه، لكن الجماهير واعية بدرجة كبيرة ولا تصفق الآن لمن خبر كل الأساليب الملتوية التي مارسها النظام البائد وتفنن بها جلاوزته (الأشاوس)، الجمهور الذي يعول عليه سعيد سيفضح اللصوص وأصحاب الصفقات التجارية وأهداف سعيد ستذهب - هذه المرة - خارج شباك أمنياته لأنه يلعب في الوقت الضائع!.
*وإذا حدث بخلاف ما تتوقع وفاز حسين سعيد بالرئاسة وجمع أصوات الأغلبية، ما موقفك وهل تتضامن معه لقيادة مركب الرياضية العراقية في الشاطئ الكروي؟
- إذا كانت الهيئة العامة قد تقلصت من 140 إلى 40 عضواً بفعل فاعل في حين إنها في مصر تقارب الـ190 عضواً، وفي سوريا 100 عضو وفي بقية البلدان أكثر من ذلك، فإن هذا مؤشر خطر سيأخذ اتجاهات سلبية ربما تخدم طموحات حسين سعيد وفي النهائية إذا اختارته الهيئة للرئاسة فأنا أول المباركين له وللهيئة الجديدة وسأقراً الفاتحة على مصير الكرة العراقية!! ولا يتوقع مني في يوم ما أن أعمل معه لأنني بعد ذلك ساتفرغ لمشروعي الكبير في كردستان وسأنفذه في كل الأحوال سواء بوجود دعم المسؤولين أو عدمه! وبالمناسبة فأنا أتوقع كل شيء في الانتخابات ولا أخاف من المفاجآت.. بالأمس وقف حسين سعيد منافساً للرياضي البطل محمد عبد الله بطل العراق والعرب وآسيا بالقفز بالزانة ومسابقة الألعاب العشرية وهو الضابط الفذ في مجال عمله والإنسان الذي يحمل كل صفات الرجولة والشهامة وقدم ثلاثة من أبنائه فدية في سبيل الخلاص من نظام صدام، وبعد كل ذلك يأتي حسين سعيد لينافسه على منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية ويفوز عليه! هل إن سعيد أجدر من عبد الله؟ ما تاريخ الأول مقارنة بالثاني؟ لذلك أقول إن المفاجأة لا تهزني إذا فاز سعيد لكنني واثق بإن ليس له مستقبل على المدى المنظور بعد التحول السياسي المرتقب في بلادنا.
*ذهب السيد حسين سعيد إلى الكويت ولقي استقبالاً حافلاً فند المزاعم التي تقول بإنه ممنوع من الدخول إلى أراضيها وهذه الورقة عدها سعيد لمصلحته وخيبت رهانكم على قضية الكويت كيف تقرأ هذه الورقة؟
- نحن لا نراهن على قضية الكويت بل نراهن على بلدنا، مسألة استقبال الكويتيين له أو عدم استقباله شأن خاص به، المهم عندنا أوضاع الرياضة العراقية ومستقبلها، ونحن أيضاً تلقينا اتصالاً من إحدى القيادات الرياضية في دول الخليج بعد انتهاء زيارة سيعد بيوم واحد فقط حيث وجهت لنا الدعوة للتنسيق والتشاور في قضايا كثيرة ولن أكشف المزيد من أهداف الزيارة لكنني أؤكد إننا لا نرمي همومنا ومشاغلنا على الإشقاء ونضعف إرادتنا الداخلية فالأسرة الرياضية العراقية أولى بطرح قضيتها على طاولة الصراحة مع اعتزازنا بمواقف هذه الدولة الخليجية أو تلك.
*يقال إنه عرضت عليك مناصب إدارية في وزارة الداخلية بعد عودتك إلى القطر، هل ما زلت ترفض العمل في غير الميدان الرياضي؟
- عرضت علي مناصب حكومية في الظرف الجديد، وهناك من قال بإنني ضابط شرطة فلماذا لا تعود إلى وزارة الداخلية؟ كنت أقول دائماً إنني لا أعمل إلا في مجال الرياضة والكل يعرفني إنني رياضي ولست ضابطاً أو إدارياً أو سياسياً وسأبقى هكذا حتى آخر يوم من عمري.
*قيل الكثير في قضية هروب ولدك (فراس) خارج القطر في وقت كان موظفاً على ملاك الشرطة، ما سبب هروبه من القضاء العراقي مثلما أشيع في وقته؟
- أنا أيضاً تألمت عندما سمعت بالإشاعة التي روجت بعد هروبه من العراق، الحقيقة إنني قمت بتجنيد فراس وعدد كبير من لاعبي الشرطة الشباب على ملاك الشرطة لكي يتقاضوا مخصصات أولاً ويكملوا دراساتهم في الكليات ثانياً ويتخلصوا من الجندية وهذه الفقرة من أهم الأهداف التي كانت تؤرق الشباب في عهد النظام السابق، وكان فراس لاعباً جيداً في الشرطة وتم سحبه إلى منتخب الشباب وتألق معه ورغب أكثر من نادٍ عراقي في ضمه إليه، وبعد ظروف الحرب عام 1990 وخروجي من العراق تعرض فراس إلى مضايقات عدة، ارادوا منه مواصلة دوامة كشرطي عادي وليس لاعباً وبصورة أشعرته بالضجر والخوف من مصير مجهول ربما أعد له في الخفاء، لذلك رفض الدوام وغاب لفترة طويلة واعتبروه هارباً، ومعلوم إن الهارب في ذلك الوقت كان يحكم عليه بعقوبات ثقيلة وصلت في بعض الأحيان إلى الإعدام... وظل فراس متخفياً في هذه الفترة وحكم عليه غيابياً بالسجن لمدة سبع سنوات وتمكن من الهروب إلى الخارج وتحديداً إلى المانيا حيث طلب اللجوء السياسي وبقي لفترة هناك ثم التحق بنا في أمريكا..
*وماذا يعمل هناك وما مصير أسرتك هل تبقى في ميشغان أم ستعود إلى القطر؟
- حالياً هو رب الأسرة في غيابي، ويعمل في الأشغال الحرة، ولديه أخوته الصغار وكلهم تلاميذ في المدارس وهم بحاجة له لتمشية أمورهم الدراسية من ناحية اللغة الانكليزية في القراءة والكتابة وهم (نبراس وإيناس وميس والتوأمان آوس وشمس)، وفراس لا يزال رافضاً للزواج برغم بلوغه سن الرابعة والثلاثين، وبصراحة فأنا اشتقت إليهم كثيراً حيث إنني لم أزرهم حتى الآن وربما سأسافر قريباً بعد الانتهاء من إنجاز أعمالي، وهم سيعودون إلى العراق بعد أن ينهوا جميع الالتزامات هناك.
*ونحن نصل معك إلى نهاية الحوار الصريح، نأمل منك اتخاذ مبادرة تزيل غمامة النكد والشقاق والاتهامات المتبادلة لمصلحة استقرار وضع الرياضة العراقية حتى يحين موعد الانتخابات التي ستمنح الراية لمن هو جدير بها في أصعب ظرف يمر به العراق. ماذا تقول في كلمة أخيرة؟
- نحن مع السلام والحرية والديقمراطية في عراق جديد ينعم بالرفاهية بعد سني الحرمان التي مر بها الشعب العراقي وإن شاء الله ستزول غمامة الشقاق عندما تنعم النفوس بالصفاء ويعترف اللصوص بأخطائهم ويبعد الطارئون عن ساحة الرياضة.. كيف نبادر لمسامحة شخص تربى على شراء النفوس الضعيفة بأبخس الأثمان... كيف نجالس اتحاداً هشاً عهد بشخص غريب وطارئ على الرياضة لتمشية مصالحه في الخارج مثل سداد المطير الذي يقوم بحلب الأموال عن طريق إصرار حسين سعيد على جعل الأردن مكان (الإياب) لفرقنا الرياضية برغم إنعدام الإمكانيات فيها وقيامه بإسكان اللاعبين في فنادق يتقاضى المطير عمولات خاصة مع شريكه السعيد به ليس هذا فحسب بل إن جميع الوصولات في الأردن تتم عن طريق المطير فلا غيره يحاسب المطاعم ولا غيره يحاسب الفنادق، وكذا النقليات وتذاكر الطائرات!!... الفضيحة كبيرة ولم تسترح قلوبنا حتى نعالج أمرها بطرد المتورطين فيها، وبعدها ليعش الناس بأمان واستقرار... وأتمنى أن ينسى العراقيون الأحقاد ويعود وا إلى رشدهم وحكمتهم في إتخاذ القرارات لمصلحة مستقبل أبنائنا بالدرجة الأساس.. كما أتمنى عودة المفصولين والعاطلين إلى أعمالهم فالعراق الجديد لن يعود معافى إلا بشفاء هموم كل الناس.
*شكراً لك يا كابتن على صراحتك ونأمل أن يتجدد اللقاء معك لبحث شؤون الكرة المختلفة...
- أنا أشكر - إهتمامكم في متابعة الأزمة الأخيرة وكنت قد إطلعت على أحاديث أحمد راضي وحسين سعيد وباسم جمال، أطراف الأزمة في حوارات ساخنة تناولتها (المدى الرياضي) بحيادية تامة ورؤية شفافة وآمل أن ينشر حديثي هذا بالرؤية نفسها لتوضيح الحقيقة ودوافع مواقفنا.
بعد عامين من رحيله...

في الذكرى الثانية لرحيله: عبد كاظم.. وشـم أبيض في قلب ذاكرة الكرة العراقية
التاريخ : Sunday, January 07
اسم الصفحة : المدى الرياضي
بغداد / إياد الصالحي
ضّم التاريخ الكروي شخصيات نموذجية قلما جاد الدهر بإخلاصها وكبريائها ونفوذ بساطتها في المجتمع الرياضي، ساهمت في كتابة المع السطور في حقبتها، وغدت من رموز كرتنا وعناوين مجدها وازدهارها ، والراحل عبد كاظم يعد واحداً من ابرز النجوم الذين طرزوا صفحات الكرة بسطور من ذهب مطلع العقد السبعيني، وتحمّل ظروفا عصيبة..
وتوالت الدسائس ضده أواخر الثمانينات حتى نفذ بجلده من مصيدة ( الرشيد)، واختار – مجبرا - الإقامة في صنعاء قبل أن يحط لاحقا في أمريكا ،لينثر حزنه في الغربة مثل حبات رمل اشتاقت لشاطئ العراق.. فكان له مااراد وكحّل عينيه بضوء شمس بغداد يوم أشرقت مع لحظات ارتمائه في حضنها فجر صباح نيساني عام 2003ولكن الموت غيبه بعد عامين لينتهي بمأتم، ولم تنته مآثره البيضاء التي رسمها وشماً في قلب ذاكرة الكرة العراقية.
صهوة الهجرة
قبل ايام مرت الذكرى الثانية لرحيل (ملك التغطية)عبد كاظم، ففي يوم الخميس الموافق الخامس من كانون الثاني عام 2005 ودعه حشد من محبيه بعد صراع مرير مع مرض دهمه في أوج ذروة حماسته لنفض غبار الواقع الرياضي في الوطن الذي هاجره قسريا في ظرف – كما أسلفنا - لم يترك له الخيار سوى امتطاء صهوة الهجرة الى ليالي ميشيغان، وفي قلبه غصّة كبيرة عن دجلة والكشافة و(ابو نؤاس) وملعب الشرطة وقطعة قماش مخضبة بدمه احتفظ بها منذ انتهاء مباراته التاريخية أمام استراليا في العاشر من اذار عام 1973 في سيدني اثناء تصفيات كاس العالم حيث جرح رأسه ورفض مغادرة الملعب برغم الدماء التي سالت بغزارة ولقب على إثرها بالفدائي ضاربا مثلا خالدا في ذاكرة الرواد المبدعين ومقدما درسا ثمينا للشباب عن بسالة قائد الفريق وصموده حتى آخر دقائق المباراة ..!
ملتقى ميسلون
حقيقة إن ذكرى رحيل عبد كاظم تمر مثل سحابة مليئة بمطر الأسى لفقدان نجم كبير نذر حياته من اجل الدفاع عن اللعبة وقاعدتها وشبابها وعن صنّاع الزمن الذهبي للكرة العراقية .. نعم نتذكر كيف عاد إلى بغداد وباشر عمله في إقليم كردستان ضمن فريق الهيئة المؤقتة لإدارة الرياضة في العراق وخطط لبناء نهضة رياضية كبيرة في الإقليم بتجربة فريدة كان جادا بتكرار نجاحها في بقية المدن بعد أن تأبط مشاريع نموذجية لم يمهلهه مرضه لاستئناف نشاطه معها ،فركن المخطّطات على رفوف مكتبه في ساحة ميسلون التي شهدت توافد اغلب الشخصيات الرياضية من لاعبين ومدربين ومسؤولي أندية للقائه في مقره المؤقت لإيجاد حلول لأزماتهم التي تفاقمت في أعقاب انتخابات اللجنة الاولمبية في دوكان ،وماتلتها من تداعيات انتخابات اتحاد الكرة في نادي الصيد، حيث كان المرحوم حريص على استقبالهم بابتسامة عريضة لم تفارق محياه رغم ضغوط آلام مرضه المفاجأة أحيانا .
صفعة تاريخية
بقي عبد كاظم حتى اخر يوم من عمره يبحث عن بدلة جديدة لنادي الشرطة - بيته الثاني - الذي ترعرع فيه منذ منتصف الستينات من القرن الماضي إلى جانب الحارس لطيف شندل ومظفر نوري وفانوس الاسدي ودوكلص عزيز وجاسب شند وباسل مهدي وغيرهم من الذين فرضوا سطوة آليات الشرطة على أندية دوري المؤسسات للفترة من 1966 إلى 1972 ، لكن عسر الظروف حالت دون انتشال النادي من إرث الاهمال برغم محاولات رئيسه رعد حمودي انقاذ ما يمكن انقاذه ! .
وتبقى صفعة عبد كاظم الشهيرة التي وجهها إلى فريق ماكابي (الصهيوني) حديث أنصار الشرطة طوال مشوار النادي فقد اخبر اللجنة المنظمة لدوري أندية آسيا بانسحابه مع زملائه من نهائي البطولة رافضا أن يكون ممثل الكرة العراقية طرفا في أول نهائي آسيوي يترشح إليه العراق عام 1971، وبارك الوفد العراقي قرار الكابتن باعتباره متوافقا مع رأيهم وحزموا حقائبهم عائدين الى بغداد التي استقبلتهم ابطالاً في موقف مازالت قيمته التاريخية حية في أذهان عشاق (القيثارة الخضراء) ويتصدر أرشفة المؤرخين الرياضيين العراقيين والعرب عن كرتنا الناديوية رغم مرور 35 عاما !.
لا أمل ليوم آخر ...!
رحل الملك أبو فراس الطيب فيما كانت بغداد تغط في نوم عميق على جنبات النهر بعد ان خاض أشرس معركة مع مرضه مثلما وصفها سكرتيره الشخصي إحسان علي لـ(المدى الرياضي) أثناء روايته عن الساعات الأخيرة من حياته، كان عبد كاظم قويا ولم يطق رؤية نفسه مستسلما على احد أسرّة مستشفى مدينة الطب .. ساعتها بحث عن وطنه الصغير.. ودقات قلبه تتنازل بانهيار سريع مع انفاسه ونبضات القلق على مصير عائلته في أمريكا التي وعدها بزيارتها لترتيب لوازم سفرها وتعود إلى الوطن الكبير.. ولكن .. الموت كان اقرب من أرنبة انفه وما هي إلا لحظات حتى ذرف دموع الوداع وسط محبيه صارخا : اتركوني .. هي النهاية ولاامل ليوم آخر .. ولا فرار من القدر ...!
* هموم الحارس العجوز
وكي لاننسى ان وفاء عبد كاظم لزملائه من اللاعبين القدامى دفعه لقبول رئاسة رابطة اللاعبين الدوليين الرواد الذين وعدهم بتغيير آلية منحهم الرواتب الشهرية ضمانا لكرامتهم وتقديرا لجهودهم وتضحياتهم مع المنتخبات الوطنية والعسكرية ، وأتذكر قبل أسبوع من وفاته حين كنت اجري معه حوارا صحفيا برفقة الزميلين حيدر مدلول وعمران السعيدي (صديقه الحميم) دخل علينا الحارس حامد فوزي شاكيا له همومه الكثيرة وصب جام غضبه على اتحاد الكرة بسبب تجاهل الأخير لنجوم الماضي ومعاملته لهم أسوة بالمسنين واليتامى والمحرومين في مراكز الرعاية الاجتماعية (على حد تعبير فوزي) ، فضحك عبد كاظم بصوت عال حتى احمر جفناه وربت على كتفه قائلا:اصبر لم يبق إلا القليل ونعبر نهر الشجون إلى ضفة الهناء والرخاء والاطمئنان ..!
وبحركة سريعة دس في جيبه بعض المال ليعينه على مقارعة شظف العيش .. ومشى الحارس العجوز منتشيا، ولم يدر بخلده ان عبد كاظم قرأ المشهد مسبقا ،فقد ركب حامد فوزي قطار الغائبين عن عيوننا في اليوم ذاته من رحيل (الملك) بعد أن فتك المرض بجسده وأقعده مشلولا من دون أن يتفقده احد حتى رفرفت روحهما سوية إلى دار الاطمئنان والخلود والرحمة.. بجوار الله سبحانه وتعالى .
عبد كاظم... اللاعب والفنان المثقف
المدى/ علي النعيمي:
نادي الشرطة,تلك القلعة الصامدة والعصّية على الجميع والتي أطلق عليها هذه التسمية ,أحد المعلقين الأسيوين يوم ما مثل نادي الشرطة
اسم العراق في نهائي أبطال أسيا من عام 1971 والتي انسحب منها وتحديداً في المباراة النهائية أمام مكابي حيفا الإسرائيلي.
لو تبحرنا في هذه التسمية لوجدنا ان السبب الحقيقي للاكتساب آهل القيثارة لهذا اللقب هو البطل الفذ والمدافع الصلب المرحوم عبد كاظم
فهذا اللاعب الفريد كان يمتاز بنواحي وبمميزات عجيبة جعلته مثار الأحاديث والتقييمات المحلية والعربية والآسيوية,فالرجل كان يمتاز بقوة جسمانية هائلة وكان يشغل مركز قلب الدفاع وهو مركز مهم وفعال في ذلك الوقت,في يومه كانت كرة القدم العالمية وخصوصا في تلك الفترة, تميل الى فكرة ظهور النجم الأبرز في كل مركز وفي كل خط وهذا ما جعل أبو فراس يمتاز عن باقي زملائه بهذه المواصفات الرائعة, بحيث اشتهر بحسن الانقضاض والقطع ومهاجمة الخصم في قراءة ذكية لحالات اللعب ناهيك عن براعته في معالجته الاخطاء التي يرتكبها زملائه وبسبب ذكائه الميداني وقوته الجسمانية وتوقيته السليم في القطع والدفاع كل هذه الصفات جعلته جديراً بأن يطلق عليه بملك التغطية.
ولربما أيضا ان عبد كاظم قد استفاد من جيله الكروي الذهبي الذي عاصره في تلك الفترة الماسية من تاريخ المواهب العراقية , اذا انه زامل ولعب بجانب كل من جبار رشك وكلبرت سامي شامل طبرة وقيس حميد ودوكلاص عزيزوهشام عطا عجاج.......الخ,, وكان عبد كاظم يردد عبارته المشهورة (انا ثقتي بنفسي وبزملائي تزداد وتتكامل عندما اقف امام القط الاسود الحارس محمد ثامر) دلالة عن الانسجام والثقة التي يعطيها هذا الحارس اليه او لباقي زملائه.
امتاز بعبد كاظم بقوة الشخصية وبقربه من اللاعبين دون استثناء وبصرامته العالية في بعض الاحيان ولاسيما في ساعات الجد والحزم في تنفيذ المهام ومع ذلك فكان هو الاقرب الى زملائه من اللاعبين سواء في نادي الشرطة ام في المنتخب الوطني,
وبداية عبد كاظم الحقيقة لم تكن مع القيثارة اذ انخرط في بداية مشواره للاثبات الذات مع نادي السكك الشهير والسكك المدرسة الثالثة لمدراس المواهب الكروية في تلك الفترة التي توزعت ما بين الصقور وأهل القيثارة وأيضا البريد.. سرعان مع وجد ضالته الحقيقة وانتمائه الروحي والأبدي مع نادي آليات الشرطة,,والمفارقة ان عبد كاظم لم يدرب ناديا اخراً غير الشرطة مع (عدا تجربة واحدة) أجبرته ظروف معينة في نادي الشرطة بان يتعامل مع نادي آخر وهو نادي الرشيد واغلب محطاته الكروية كانت ناصعة ومتميزة ..
فدائيته لا يزال القاص والداني يتحدث بها وبكل فخر, ففي مباراة العراق واستراليا ضمن مشوار التصفيات كأس العالم في سدني تعرض الى شج عميق في رأسه وتم معالجته على الفور لكن طبيب الفريق نصح اللاعب بضرورة الخروج لان النزف لم يتوقف إلا ان غيرة اللاعب وحبه للمنتخب ولسمعة العراق جعلته يرفض الامتثال لقرار الطبيب وواصل اللاعب حتى قيل في وقته ,ما ان لمس الكرة حتى احمرت لكثر ما نزف وكاد يفقد الوعي لولا عناية البارئ عزوجل .
من خصاله وصفاته انه كان يستذوق الشعر الشعبي وكثيرا ما كان يدعو زملائه الفنانين في بيته أو في صالونات الشعر وتربطه صلات عديدة مع الوسط الفني من شعراء وأدباء ومطربين ومثقفين.
في بداية سنوات الحصار سافر الى الأردن للتدريب إلا انه رفض العقود هناك وفضل الذهاب إلى اليمن وهناك ذاع صيته كمدرب مرموق ونال جماهيرية كبيرة لا توصف حينما مسك نادي وحدة صنعاء اليمني وقادهم إلى الفوز بدرع الدوري مرتين وبالكأس مرة واحدة ويكفي أن مدرب الفريق اليمني في تلك الفترة البرازيلي السيد احمد لوسيانو قال لا يمكن إغفال دور المدرب العراقي عبد كاظم في تطوير الكرة اليمنية والدفع بها نحو الأمام ... ومن اليمن فضل السفر الى امريكا ..ومن ثم عاد الى العراق في 2003 برؤى وتصورات رائعة همه الأول الأخير تطوير الرياضة العراقية بصورة عامة وقد عرض عليه منصب في اللجنة الأولمبية في إقليم كوردستان إلا أن للإرادة السماوية قدرها ووقعها الإلهي في الحياة .
سلم روحه للبارئ عز وجل في يوم 5/1/2005 وبذلك فقدت الرياضة العراقية بصورة عامة أهل القيثارة نادي الشرطة نجماً من نجومها الساطعين لازالوا يتلألؤ في فلك البطولات ومجرات الإنجازات وكان في جعبته المزيد المزيد من الافكار الكروية المشرقة .
رحم الله ابوفراس الكابتن عبد كاظم لاعبا ومدربا وشاعراً
وداعاً عبد كاظم..وداعاً أيها الرياضي الكبير
كمال سبتي
الحوار المتمدن - العدد: 1071 - 2005 / 1 / 7
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
وداعاً عبد كاظم..وداعاً أيها الرياضي الكبير
عبد كاظم الكابتن كما يسمى عادة بين الرياضيين كان صديقي.
كان يأتي كل يوم إلى اتحاد الأدباء في فترة غير قصيرة من الثمانينيات لينضم إلى طاولتي مع غيري من الأصدقاء. وكنت أوصيت موظف الاستعلامات أن يدعه يوقع أمام اسمي في دفتر الزوار فيدخل الاتحاد حتى لو لم أكن وصلت بعد، فالدخول كان للأعضاء وأصدقائهم.
لم أعرف منه غير الأدب الجم والتفاني المطلق في حب اللعبة كما كان يسميها أمامي وقد أخذني مرة إلى ملعب نادي الشرطة وقال للاعبيه مازحاً : هذا كمال سبتي شاعر الحداثة ، فرجوه غداً حداثتكم في اللعب ورأيت المباراة وقد فاز فيها فريق الكابتن.
كان الأدباء العراقيون فرحين وهم يرون الكابتن ضيفاً في ناديهم كل يوم.
وكم روى لي معاركه مع بهائم الرياضة من أتباع عدي ومن التجار الأنذال وكنت أجد وسطنا المزري نحن الأدباء جنةً أمام حكاياه المؤذية حد القرف من الوسط الرياضي.
وهربت من العراق في أواخر الثمانينيات..وانقطعتُ عنه حتى وصل بعد سنوات إلى مدريد الصديق الشاعر علي العلاق حاملاً لي سلاماً وحكايات من الكابتن الذي كان في اليمن مدرباً لأحد فرقه.
وتواصلنا بالرسائل بعض وقت بعد أن حصل على عنواني من الشاعر العلاق وأنبأني في إحداها بعزمه على السفر من اليمن إلى إحدى دول اللجوء . وغادرتُ إسبانيا وانقطعنا عن بعضنا لكن أحدنا كان يوصل سلامه إلى الثاني بين آن وآخر..
الآن قرأت نعي رحيل عبد كاظم أحد أهم لاعبي كرة القدم في تاريخ العراق وأحد أهم مدربيها.
أحقاً رحل أبو فراس ولم أره منذ هربتُ من العراق ؟
هولندا - فجر السادس من كانون الثاني
تمت