قبطان العراق، بعد انحياز الزاملي للمحلي: محلي أم أجنبي… والوطن يدفع الثمن؟
في خضم جدلية مستعرة، تتأرجح بين مطرقة الواقع وسندان الطموح، حول هوية قبطان سفينة المنتخب العراقي، يطل علينا عضو اتحاد الكرة، غالب الزاملي، بتصريح يفتقر إلى براغماتية القرار الاحترافي، بل وينم عن رؤية قاصرة تتجاهل تعقيدات اللحظة الراهنة. إذ يُعلن الزاملي عن انحيازه الجلي لخيار المدرب المحلي، مستندًا في ذلك إلى ذريعة ضيق الوقت المتاح للتأقلم وعائق اللغة، ليجعل من التعاقد مع مدرب أجنبي ضربًا من ضروب العبث، وكأن الزمن وحده هو الفيصل في صناعة النجاح. هذا الطرح، وإن بدا ظاهريًا منطقيًا، يحمل في طياته نزعة شوفينية ضيقة الأفق، تختزل الكفاءة في حدود جغرافية ضيقة، وتُغفل حقيقة أن الخبرة العالمية، بتراكماتها المعرفية المتنوعة، قد تكون هي البلسم الشافي لجراح المنتخب، والمنقذ من براثن التردي.
ولم يكتفِ الزاملي بهذا القدر من التبسيط المخل، بل مضى قدمًا في ترشيح أربعة أسماء محلية، وكأن الخيارات قد نضبت من معين كرة القدم العالمي، وكأن الساحة الكروية العراقية تزخر بالكفاءات القادرة على إحداث التحول المنشود. يُلوح بهذه الأسماء كحلول ناجعة، متجاهلًا أو ربما متناسيًا سجلاتهم التدريبية المتواضعة على صعيد الأندية والمنتخبات الوطنية، والتي لم ترتقِ بعد إلى مستوى التحديات القادمة. إن هذا الاختيار، في حقيقته، تُعلي من شأن الولاءات الضيقة على حساب الكفاءة المهنية ومتطلبات المرحلة الدقيقة التي يمر بها المنتخب.
إن منطق الزاملي، الذي يستند إلى ضيق الوقت كعذر لقصور الاختيار، يبدو وكأنه هروب تكتيكي من مواجهة التحدي الحقيقي، وتسطيحًا لعملية معقدة تتطلب رؤية استراتيجية عميقة. فهل يعقل أن تُختزل مهمة إنقاذ المنتخب، وإعادة بريقه المفقود، في مجرد معرفة سطحية بشؤونه الداخلية؟ أليس الأجدر البحث عن عقلية تدريبية فذة، قادرة على بث روح جديدة في الفريق، وانتشاله من وهدة اليأس والإحباط، بغض النظر عن جنسيتها أو لغتها الأم؟ فالكفاءة تتجاوز حدود الجغرافيا، والنجاح لا يعترف بالعوائق اللغوية عندما يتعلق الأمر بالإلهام والتكتيك الرفيع.
إن التعويل على مدرب محلي، في هذه اللحظة الحرجة التي تتطلب نفض الغبار عن الماضي واستشراف المستقبل، أشبه بالمقامرة بمصير المنتخب، وتعريض آمال الجماهير الشغوفة لخطر الانتكاسة. لقد أثبت التاريخ، بتجاربه المتراكمة، أن تكرار نفس الخيارات غالبًا ما يؤدي إلى نفس النتائج الكارثية، وأن التغيير الحقيقي يكمن في تبني مقاربات جديدة ورؤى مختلفة. إن المنتخب العراقي، وهو يواجه استحقاقات مصيرية تتطلب حكمة وبعد نظر، يحتاج إلى رؤية جديدة، إلى قيادة قادرة على تجاوز حدود المألوف، واختراق الحواجز التقليدية. وفي هذا السياق، يبرز اسم المدرب السويدي، مسعود ميرال، كخيار بديل يستحق التأمل العميق والتقييم الموضوعي. فبرغم جنسيته الأجنبية، التي قد يراها البعض عائقًا، إلا أن تجربته المتوهجة مع نادي دهوك تشي بقدرته على فهم الواقع الكروي العراقي والتفاعل معه بإيجابية، بل وتقديم إضافة نوعية على مستوى الأداء والنتائج.
إن الاعتماد على مدرب اجنبي كفء مع توفير بيئة عمل داعمة وتعاونية من قبل الاتحاد والإعلام والجماهير، هي المعادلة الأمثل لتحقيق طموحات الجماهير العراقية في الوصول إلى كأس العالم 2026، وهو الحلم الذي يراود كل محب لهذا الوطن.
ختامًا، إن إسناد مهمة تدريب المنتخب الوطني إلى مدرب محلي، في ظل الظروف الراهنة التي تتطلب كفاءة استثنائية ورؤية عالمية، يمثل قفزة في المجهول، وتجاهلًا صارخًا لنداء العقل والمنطق. إن "المجرب لا يُجرب"، ومصلحة المنتخب الوطني، وتمثيل العراق بأفضل صورة في المحافل الدولية، يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وأن تُتخذ القرارات بناءً على معايير الكفاءة والجدارة، لا بناءً على الانتماءات الضيقة أو الولاءات الشخصية.