لطالما شكل الحديث عن التجربة العنصرية التي مورست في جنوب أفريقيا ومدى تشابهها أو اختلافها مع التجربة العنصرية الإسرائيلية المستمرة في فلسطين، موضوعا قابلا للبحث والتأويل من قبيل المقارنات والتشابهات بل والمقولات التبريرية المدعاة، سواء كانت تاريخية أو عرقية أو حتى دينية.
معروف أن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا السابقة أوجد تراتبية صارمة وضعت البيض في أعلى السلم الاجتماعي - الاقتصادي - السياسي، يليها الهنود، فالملونين، ومن ثم السود في أدنى السلم. ولقد جرى دعم ذلك كله بسلسلة من قوانين تحدد شكل العلاقة بين البيض والسود على أساس السيد والعبد. والأمر مشابه - ولو على نحو خاص - في فلسطين إذ أقامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التعامل مع فلسطينيي 1948 على أساس أنهم مواطنون درجة ثانية وثالثة فتم التوضيح في بطاقات الهوية الديانة كأساس للتمييز (مسلمين، مسيحيين، دروز، بدو، شركس..)، كما أن فلسطينيي الضفة والقطاع لم يعتبروا مواطنين، وخضعوا باستمرار إلى مختلف أشكال التمييز والتنكيل والاضطهاد.
بعد أربعة أعوام قضاها في القدس المحتلة، وأكثر من عقد في عاصمة جنوب إفريقيا (جوهانسبورغ) وضع الصحفي البريطاني (كريس مالغريل) دراسته المقارنة حول التمييز العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ونظام الأبارتايد جنوب الإفريقي. وإذ اعتمد على الشهادات والاحداث والابحاث والارقام التي تكشف النقاب عن أبشع أوجه العنصرية في عصرنا الحالي: الابارتايدية الاسرائيلية ، استخلص: من تطأ قدمه إسرائيل الحديثة، وسبق له أن عرف جنوب إفريقيا السابقة، يشاهد مقاربات ملموسة على الفور. فهناك عالم التمييز والاضطهاد الذي لا يختار معظم الإسرائيليين رؤيته، مثلما هي الحال في جنوب إفريقيا البيضاء في الماضي والحاضر .
المناطق في العالم التي تقيم فيها الحكومات شبكة من القوانين الخاصة بالقومية والإقامة، والمصممة بغاية استعمالها من قسم من السكان ضد قسم آخر، قليلة جدا. وجنوب إفريقيا العنصرية السابقة إحدى هذه المناطق وهذه هي حال إسرائيل. وفي داخل إسرائيل نفسها، كثر مؤخرا النقاش الجماهيري حول مساواة اسرائيل بجنوب افريقيا العنصرية تحت سلطة الأقلية البيضاء، خاصة عند الحديث عن جدار الفصل العنصري، والتعديل على قانون المواطنة الذي يمنع لم شمل العائلات الفلسطينية، وخطط الانفصال وخلق كانتونات داخل مناطق السلطة الفلسطينية سميت ب بانتوستنات مشابهة لما شهدته جنوب افريقيا. والباحث الإسرائيلي (ميرون بنفنستي) يرى أن الرفض التام لتشبيه إسرائيل بجنوب إفريقيا يدل على الوطنية والروح الصهيونية. وإذا تجرأ أحدهم وقام بدراسة الظاهرتين فسيتم الحكم عليه حسب النتائج التي يتوصل إليها، فإذا وجد تشابها يعتبر لا ساميا، وإذا أكد الاختلاف يعتبر فاشيا .
من جهته، رأى رئيس الوزراء في جنوب إفريقيا ومهندس الأبارتايد الكبير (هيندريك فيروورد) (1961) تشابها بين جنوب إفريقيا وإسرائيل حيث قال: أخذ اليهود إسرائيل من العرب بعد أن عاش العرب فيها ألف عام. وإسرائيل دولة تمييز عنصري (أبارتايد) مثل جنوب إفريقيا . وهذه وجهة نظر تروع وتثير غضب العديد من الإسرائيليين الذين يجفلون من مجرد التلميح بالمقارنة كونها - كما يدعون - توجه طعنة في القلب لما يرونه في أنفسهم وفي (دولتهم الديموقراطية). ومع ذلك، احتفظت إسرائيل ب 93% من الأراضي (المصادرة من العرب دون تعويض) لليهود من خلال عدة مؤسسات. وفي جنوب إفريقيا المستعمرة أولا، ثم دولة الأبارتايد لاحقا، تم الاحتفاظ ب 87% من الأراضي للبيض. وصنف قانون تسجيل السكان جنوب الإفريقيين وفقا لمجموعة من التعاريف العنصرية التي قررت - من بين أشياء أخرى - من يمكن السماح له بالعيش في الأراضي المحمية . ويخدم قانون التسجيل الإسرائيلي غرضا مماثلا على صعيد التمييز.
من جهته، يعزز (مالغريل) فكرة الشبه المتداخل بين النظامين عبر شهادة الاسرائيلي من أصل جنوب افريقي (ارثير غولدريخ) الذي عانى من النظام العنصري في جنوب افريقيا. فغولدريخ، المناضل الى جانب نيلسون مانديلا في سبيل العدالة، يقول ان اسرائيل، حيث يعيش اليوم، باتت تمثل كل ما كان يحاربه، وهي تؤكد يوميا انها معنية بالارض اكثر من السلام عبر تبنيها نظاما عنصريا ضد الفلسطينيين. فالبانتوستانية رأيناها من خلال سياسة الاحتلال والانفصال. ومن خلال هذه العنصرية المقيتة، القائمة في المجتمع الإسرائيلي من القاعدة حتى وزراء الحكومة، تؤيد انتزاع العرب بالقوة والقسوة الوحشية والانحطاط الانساني الذي يفرض على الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة .
هذه هي خلاصة ما رآه كريس مالغريل بعينيه ولمسه بيديه وضمنه دراسة قيمة (متوفرة لمن يرغب في الاستزادة) ترجمها للعربية (عوني أبو غوش)، أكدت أوجه الشبه الكثيرة بين نظام الحكم الإسرائيلي ونظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا السابقة، حيث أراد التأكيد على أن انهيار نظام الأبارتايد في هذه الأخيرة يعطي مصداقية للانتقادات الموجهة لإسرائيل ويمنح الأمل بالقضاء على نظام الأبارتايد الإسرائيلي الذي فضحه مؤخرا، بجرأة نادرة،